خسائر كبيرة للسوريين بعد تراجع السيارات كوعاء ادخاري
يوسف 100: ألف مركبة بمليار دولار و250 مليون عائدات .. وتحذيرات من الاستيراد بلا ضوابط




السيارات المستعملة تغرق سوريا الجديدة

 

 

سماح الحكومة السورية مطلع العام الحالي باستيراد السيارات كان مشروطاً بألا يزيد عمر التصنيع على 15 عاماً 


 سيرياستيبس

تشير الإحصاءات الرسمية إلى استيراد 100 ألف سيارة منذ بداية 2025 لتنضم إلى أسطول يضم ملايين السيارات العتيقة والقديمة التي تغص بها شوارع البلاد وخصوصاً العاصمة دمشق، فزادت من تلوث الهواء والبيئة والضوضاء ومعدلات التعرض للحوادث.

لم تغب السيارات الحديثة والفارهة عن الشوارع السورية في زمن الرئيس المخلوع بشار الأسد على رغم أن منع استيرادها وارتفاع رسومها إلى 400 في المئة، إذ لم يكن صعباً على أثرياء البلد الحصول عليها بصور مختلفة سواء من "المزادات" التي كانت تجريها الحكومة لبيع السيارات المصادرة التي دخلت بطرق غير نظامية أو تهريباً وغالباً كان مصدرها مدينة إدلب الخارجة عن سيطرة الدولة آنذاك بمبالغ طائلة كانت تدفع ثمناً لتلك السيارات، وكثيراً ما كانت المبالغ المدفوعة ثمناً لبعض السيارات وهوية أصحابها موضع نقاش في وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي من دون أي اكتراث من الجهات المعنية التي كانت ترى المزادات إيراداً لخزانة الدولة.

ومع تولي الإدارة الجديدة مقاليد الحكم في سوريا، سمح باستيراد السيارات مع إلغاء كثير من القيود الجمركية والضرائب التي كانت مفروضة على استيراد السيارات الحديثة والقديمة، وهذا التغيير أدى إلى دخول السيارات من مختلف المنافذ الحدودية، خصوصاً عبر معبري الأردن وتركيا، مما أسهم في زيادة العرض وانخفاض الأسعار بصورة ملحوظة، وجعل امتلاك سيارة أسهل وفي متناول شريحة أوسع من السوريين.

سوق السيارات تسببت في التضخم لأعوام

سماح الحكومة السورية مطلع العام الحالي باستيراد السيارات كان مشروطاً بألا يزيد عمر التصنيع على 15 عاماً، متنازلة عن جميع الشروط التي تحفظ البيئة وأمان السوريين، ومن دون أن تحدد بلد المنشأ أو وجهة الاستيراد، أو حتى فحص فني دقيق، قبل منح اللوحة الموقتة.

وتشير الإحصاءات الرسمية التي أعلنتها وزارة النقل إلى استيراد 100 ألف سيارة حتى الآن لتنضم إلى أسطول قائم على ملايين السيارات العتيقة والقديمة التي تغص بها شوارع المدن السورية، خصوصاً العاصمة دمشق، فزادت من تلوث الهواء والبيئة والضوضاء ونسب التعرض للحوادث.

متخصصون في سوق السيارات رأوا أن السوق في سوريا قبل سقوط النظام المخلوع شكلت رافعة أساسية من روافع التضخم، إذ بلغت سوق "المستعمل" عام 2017 وفقاً لإحصاءات شبه رسمية نحو 36 تريليون ليرة (كان الدولار يساوي 560 ليرة)، ومع ارتفاع سعر الدولار إلى 15 ألف ليرة بعد عام 2020 استمر هذا التضخم في الارتفاع بصورة حادة حتى سقوط نظام المخلوع.

في المقابل وصف المتخصصون، سوق السيارات المستعملة في سوريا حالياً بـ"الفوضوية" في الاستيراد والتسعير، وفي ظل عدم توجيه ملف استيراد السيارات لمصلحة بناء منظومة نقل حديثة ومتطورة في بلد يعاني مشكلة نقل مزمنة، ويحتاج إلى عائدات لينهض، وبرأيهم كان يتعين التخطيط لاستيراد السيارات بطريقة أفضل وأكثر علمية وقراءة للواقع والحاجات.

الظاهرة المدهشة

التغييرات التي فرضها السماح باستيراد السيارات تؤكد أن سوق السيارات التي كانت قائمة قبل السماح بالاستيراد خسرت مئات الملايين من الدولارات دفعة واحدة، إذ كانت السيارات أحد أوعية الادخار الرئيسة لدى السوريين ولأعوام طويلة مضت، وسجلت سيارات أحدثها يعود إلى 2011 أسعاراً فلكية في سوق كل السيارات لها مكان وسعر فيه، حتى وصف متخصصون سوق السيارات بـ"الظاهرة المدهشة" على سبيل المثال كان بإمكان صاحب سيارة "مرسيدس" يعود صنعها إلى عام 1970 أن يفرض سعره وبآلاف الدولارات وأن يجد سوقاً لسيارته المدللة، في حين أن نفس السيارة اليوم معروضة للبيع بـ500 دولار.

أيضاً سيارة "كيا ريو" موديل 2011 التي تعرف عند السوريين "خبز السوق" نتيجة الإقبال عليها، فهي عملية وقطع التبديل متوافرة لها انخفض سعرها إلى نحو5  آلاف دولار وأحياناً إلى 3 آلاف دولار بعدما كان يتجاوز 12 ألف دولار قبل سقوط النظام المخلوع، مما يؤكد الخسائر الكبيرة التي لم يكن بإمكان التجار والمالكين تحملها، ولولا أنها مرغوبة لكانت ببضع مئات فقط من الدولارات حالياً، كما يقول تاجر السيارات محمد شموط الذي خسر مئات الآلاف من الدولارات قبل أن يتحول إلى استيراد السيارات من دبي، محاولاً تعويض الخسائر التي مني بها بعد تراجع أسعار سياراته المستعملة التي كان يتاجر بها.

وقال لـ"اندبندنت عربية"، إن خسائر شركات سيارات المستعملة كبيرة جداً وبعضها لجأ إلى الإغلاق نتيجة تراجع سوق السيارات المستعملة إلى 20 - 25 في المئة نتيجة السماح باستيراد السيارات مما تسبب لهم في "خسائر كارثية" ذهبت برؤوس أموالهم.

 وأضاف، "في المقابل فإن خسائر السوريين من السيارات لا يمكن تقديرها بدقة، لكنها بمئات الملايين من الدولارات بعدما فقدت دفعة واحدة ما بين 70 و80 وأحياناً 90 في المئة من أسعارها دفعة واحدة أمام السيارات المستوردة التي دخلت البلاد بأسعار رخيصة"، موضحاً أنه في السابق كان من بين من يعرضون سياراتهم للبيع، من يعتقد أنه يبيع سيارة "خام" لا تزال "بشحمها" في حين أن تاريخ صنعها يعود إلى ستينيات القرن الماضي في دلالة على القيمة التي تحظى بها السيارات القديمة في بلد رشد استيراد كل شيء تقريباً على مدى 14 عاماً، ونتيجة انغلاق سوق السيارات أصبح ثمن أي سيارة ذات ماركة عالمية ومشهورة مرتفعاً حتى لو كانت قديمة، بعيداً من الحال الفنية للسيارة وسنوات الإهلاك والاستهلاك والتغييرات الحاصلة على المحرك أو على دارة الكهرباء أو التبريد أو البنزين وما شابه .

يضيف شموط "كانت سوق السيارات أشبه بالظاهرة الغريبة التي لا تشبه إلا نفسها، ولم تكن تخلو من النصب والاحتيال، وعدم التدقيق في أوراق السيارة وسجلاتها، مما قد يوقعك في مصيدة خسارة السيارة وثمنها".

احتكار تجارة قطع التبديل

وعانت سوق السيارات في الأعوام الأخيرة وقبل سقوط النظام من الركود بسبب ارتفاع أسعارها نتيجة ارتفاع سعر الصرف وارتفاع الرسوم فراغها وتأمينها وحاجتها إلى الإصلاح الدائم، وعدم توافر قطع الغيار الأصلية وارتفاع أسعارها إلى جانب عدم توفر المحروقات وارتفاع أسعارها، والأهم من كل هذا كانت هناك ظاهرة لافتة في سوريا، ففي وقت كانت الحكومات تمنع خلاله استيراد السيارات بحجة منع استنزاف مخزون البلاد من النقد الأجنبي كانت مئات الملايين من الدولارات توجه لاستيراد قطع التبديل وكانت وحدها مستنزفة للنقد الأجنبي، ويقال إن تجارة قطع الغيار كانت محتكرة لمصلحة بضع الأشخاص المقربين من السلطة.

100 ألف سيارة في 5 أشهر

يقول مدير مديرية استيراد السيارات في وزارة النقل عبداللطيف شرتح، إن سوق السيارات المحلية شهدت حالاً من الإغراق المفرط بعد قرار السماح باستيراد السيارات، نتيجة العروض الكبيرة من السيارات الحديثة وأسعارها المنخفضة، مشيراً إلى أن الرسوم الجمركية الجديدة أصبحت أكثر عدالة مقارنة بالرسوم السابقة، التي كانت تصل إلى 400 في المئة من قيمة السيارة، ويلفت إلى أن بلاده أصبحت واحدة من أقل الدول من حيث الرسوم الجمركية المخفضة.

وأكد شرتح أن قرار خفض الرسوم الجمركية لاقى استحساناً وارتياحاً لدى المواطنين، سواء لجهة اقتناء سيارات حديثة بأسعار معقولة، أو لتلبية الحاجة الماسة لوسائل النقل الخاصة والعامة، وقال إن أسعار السيارات المستوردة شهدت انخفاضاً كبيراً، إذ وصل سعرها إلى ربع السعر السابق في ظل النظام السابق، بفضل خفض الرسوم الجمركية التي بلغت نسبتها 80 في المئة.

مليار دولار لاستيراد السيارات

المتخصص الاقتصادي عمار يوسف قال لـ"اندبندنت عربية"، إن الإعلان عن استيراد 100 ألف سيارة بمتوسط سعر 10 آلاف دولار للسيارة الواحدة بجمارك 2000 دولار و500 دولار بدل تأمين و"تنمير" يعني أن 250 مليون دولار دخلت خزانة الدولة، وهذه يجب أن تكون قد توجهت إلى الخدمات أو سداد الرواتب.

 

وأضاف، "نحن نتحدث أيضاً عن مليار دولار وربما أكثر خرجت من مدخرات السوريين إلى استيراد سيارات عدد كبير منها مقصوصة (مصطلح يستخدمه تجار السيارات للإشارة إلى وجدود مشكلات فيها)، وبعضها غارقة في البحر أو تعرض لعاصفة دبي، وبعضها مستهلكة في الإمارات وتركيا"، واصفاً الأموال التي خرجت من جيوب السوريين لاستيراد وشراء سيارات بـ"الكبيرة".

وأردف بقوله، "يجب النظر إلى استنزاف مخزون البلاد من الدولار، خصوصاً مع توجه هذا المخزون إلى سيارات مشكوك في أمر كثير منها، فمنها ما دخل بأوراق مزيفة في الأسابيع الأولى لسقوط النظام، وبعضها معطل ويحتاج إلى إصلاح، وهذا يعني أن هناك مبالغ كبيرة ستنفق على قطع الغيار"، مقدراً أن 100 ألف سيارة تحتاج إلى قطع غيار تراوح ما بين 50 و60 مليون دولار في العام.

وتابع قائلاً "إذاً نحن نتحدث عن مليار دولار لاستيراد 100 ألف سيارة و250 مليون دولار جمارك ورسوم دفعت للخزانة و50 مليون دولار للقطع البديلة، ولو أن نصف هذه المبالغ وجه إلى المشاريع الصغيرة والعمل المنتج لكان عشرات الآلاف السوريين بدأوا يتلمسون خلاصهم الاقتصادي والمعيشي مع أرباح للاقتصاد الوطني"، مؤكداً أن دخول كل هذه السيارات لم يكن إلا استغلالاً واضحاً لتعطش السوق لها لتصبح سوريا اليوم "مكباً" للسيارات القديمة والخردة.

ضيق المعيشة والرهان على الخردة

وأضاف يوسف، "أدى فتح الاستيراد بهذه الصورة إلى استهلاك مدخرات السوريين وتحويلها إلى قطاع مستهلك وغير منتج، والأهم هو خسارة المدخرات التي وضعت في السيارات المستعملة، ففي ظاهرة غريبة فرضتها ظروف الحرب لجأ كثير من السوريين إلى السيارات كوعاء ادخاري واستثماري، وكثر كانوا يشترون سيارات للحفاظ على مدخراتهم في ظل ثبات أسعارها بل وميلها للارتفاع أو لتأجيرها والعيش من إيرادها وهؤلاء عملياً خسروا من 70 إلى 80 المئة من مدخراتهم التي وظفوها في السيارات، ومنهم من خسر 90 في المئة مع حدوث انفتاح السوق والسماح باستيراد السيارات، مما لم يكن متوقعاً لدى كثير منهم، وللأسف دفع ضيق المعيشة إلى أن يراهن السوريون على الخردة".

المتخصص السوري انتقد فتح الحكومة الحدود السورية لسيارات بعمر 15 عاماً، لافتاً إلى أن هناك من استغل حاجة وتلهف السوريين لسلعة بقيت لأعوام عصية عليهم، محذراً من أن هذه السيارات ستحمل معها الحوادث والأعطال وتلوث البيئة وزيادة استهلاك الوقود.

ودعا يوسف إلى ضرورة البحث عن حلول أكثر نضجاً في ما يتعلق بالسيارات وفرض شروط صارمة على استيرادها، ومنع دخول السيارات "المقصوصة" والغارقة لأنها تشكل خطراً حقيقياً على الناس وعلى البيئة أيضاً، ويجب وضع حد لأساطيل السيارات القديمة من تاريخ صنع 2007 و2008 والمعاد تصديرها عبر معبر نصيب، لتجد بالسوق السورية رواجاً في وقت كان يجب أن تذهب في إلى معامل صهر الحديد.

ارتفاع الأسعار شمالاً وانخفاضها في باقي البلاد

في الأيام الأخيرة كانت هناك أنباء عن وصول شحنات سيارات إلى البلاد عبر مرفأ طرطوس ضمن عمليات استيراد نظامية، وقبل ذلك كانت تغذى السوق من شمالي سوريا، ومن وجهات خارجية عدة، ربما الإمارات بمقدمها، إذ توجه عدد كبير من التجار والسكان من مختلف المناطق إلى وكالات بيع السيارات في ريفي إدلب وحلب في شمال البلاد، مما تسبب في ارتفاع أسعار السيارات الأوروبية في تلك المناطق نتيجة لقوة السوق وازدياد الرغبة في الشراء، وتجاوزت نسبة الارتفاع 100 في المئة.

في المقابل، تعرض تجار السيارات ومالكوها في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام لخسائر كبيرة، إذ انخفضت الأسعار بنسبة تجاوزت 70 في المئة، ومع عدم وجود آليات واضحة لقوانين البيع والملكية، لا سيما في ما يتعلق بالرسوم الجمركية والضرائب يبدو مستقبل السيارات في السوق السورية مفتوحاً على احتمالات غير محسوبة لدى كثيرين ممن اقتنوا السيارات "الإدلبية" كما يعرف عنها بين السوريين، وفي هذا السياق كشف مسؤول العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد في تصريح صحافي، أن الوزارة بصدد مراجعة الواقع الحالي وتحديد آليات استيراد تتناسب مع البنية التحتية المتاحة، مؤكداً إعادة النظر في جميع الرسوم الجمركية ووضع آلية جديدة للجمارك والتجارة الخارجية تضمن المنافسة الحرة والعادلة.

 ولا يزال مالكو السيارات المستعملة التي تعود لما قبل هرب الأسد يراهنون عليها، خصوصاً مع ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة، فمع كل ارتفاع في سعر الدولار ينتعش ملاك هذه السيارات الذي انخفضت أسعار سياراتهم بصورة حادة ومحبطة، في حين يترقب مقتنو السيارات المستوردة حديثاً القرارات التي ستصدر بعد انتهاء فترة الدخول الموقت ومن إمكانية فرض رسوم جمركية جديدة.

اندبندنت عربية



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=133&id=201741

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc