فلسفة محمد بن سلمان في تغيير وجه السعودية كما يرويها بنفسه
01/07/2025
سيرياستيبس :
كتب الاعلامي عيسى النهاري :
لتلخيص إرثه السياسي قال الإمبراطور الروماني أغسطس "وجدت روما مبنية من الطوب، وودعتها مكسوة بالرخام".
في سياق تلك المقولة، سُئل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن الإرث الذي يريد الأجيال أن تتذكره به، فأجاب "وجدت السعودية من رخام، وألهمت جيلاً ليصنع مزيداً من الرخام".
الإجابة التي أدلى بها الرجل الثاني في بلاده وردت في كتاب جديد من تأليف الكاتبة الأميركية المخضرمة كارين إليوت هاوس، الذي تنفرد "اندبندنت عربية" بنشر اقتباسات منه قبل صدوره في يوليو (تموز) 2025.
تقدم كارين هاوس رئيسة تحرير "وول ستريت جورنال" سابقاً في الكتاب المعنون "محمد بن سلمان، الرجل الذي سيغدو ملكاً" قراءة مفصلة لشخصية الرجل الذي يعيد تشكيل ملامح السعودية منذ إطلاقه رؤيتها في 2016، ورصداً للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في 15 فصلاً غنياً بالمعلومات، استناداً إلى 6 مقابلات خاصة أجرتها الكاتبة مع ولي العهد السعودي لتروي على مدى 300 صفحة حكاية صعوده والأحداث التي صقلت شخصيته، إضافة إلى أهداف ومستجدات استراتيجيته لإنهاء ما وصفها ذات يوم بـ"حالة الإدمان النفطية".
لا يسعى إلى إبهار الغرب
"ابن الصحراء بكل ما تعنيه الكلمة"، هكذا تصف هاوس الأمير محمد بن سلمان، مذكرةً بأنه يتحدر من عائلتين عريقتين، فجده الملك عبدالعزيز أسس الدولة السعودية الثالثة بعد عقود من الاقتتال القبلي، وجده لأمه راكان بن حثلين شيخ قبيلة العجمان التاريخية. ويفسر هذا الارتباط القبلي أسلوب الأمير في التعامل مع الآخر، فهو يفهم الغرب لكنه لا يسعى إلى إبهار الأجانب بمظاهر التمدن الغربية، و"يحترم الآخر"، لكن من دون تودد مفرط.
يطمح ولي العهد السعودي إلى بناء اقتصاد حديث ومجتمع حيوي، لكن من دون التخلي عن الأصالة السعودية، ويقول المقربون منه إنه حريص على أن تظل الأسرة التقليدية حجر الأساس في المجتمع السعودي، لإدراكه أن الثقافة الغربية، لا سيما الأميركية، فقدت توازنها القيمي والأسري، وكما يقول الوزير ماجد القصبي الذي عرفه منذ أعوام مراهقته "لقد ورث من أبويه أفضل ما في القيم البدوية: الأصالة والولاء والكرم".
أما المؤلفة فتقول إن "محمد بن سلمان الذي تلقى تعليمه كله في السعودية يجسد الاعتزاز بالتراث السعودي من دون تقليد الغرب".
يملك العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز 12 ابناً وابنة واحدة، والأمير محمد بن سلمان هو الابن السادس. في أسرة ضخمة بحجم العائلة المالكة، غالباً ما يكون التميز ولفت الأنظار صعباً، في حين تؤدي الأسبقية العمرية دوراً.
تشير المؤلفة الأميركية أنه عندما فقد الأمير سلمان اثنين من أبنائه الأكبر سناً بسبب مشكلات في القلب في عام واحد، كان الأمير محمد البالغ من العمر 17 سنة، رفيق والده في لحظات الحزن والفقد، ومن ثم لازمه في إمارة الرياض وعندما أصبح الأمير سلمان ولياً للعهد ووزيراً للدفاع.
لكن تلك الظروف الطارئة لم تكن السبب الوحيد في حصول الأمير محمد على ثقة والده، إذ يقر ولي العهد السعودي، وفق الكتاب، أن دعم والدته كان من أهم أسرار تميزه ونجاحه إلى جانب أشقائه، قائلاً "كانت والدتي تحث أبناءها على الاجتهاد والتفوق". يروى عن نابليون أنه قال "مصير الطفل في المستقبل هو دائماً صنيعة الأم"، وتقول المؤلفة "ينطبق هذا القول في ما يبدو على محمد بن سلمان".
وعندما سُئل عن سبب اختيار الملك سلمان ابنه محمد لولاية العهد، أجاب وزير الحرس الوطني الأمير عبدالله بن بندر بأن "صاحب الصقر يعرف أفضل صقوره".
وتردف المؤلفة "لا شك أن سرعة محمد بن سلمان وتركيزه يشبهان الصقر النادر"، مشيرة إلى مكانة الصقور لدى البدو لشجاعتها.
ويلخص الكتاب شخصيته بثلاث سمات أساسية وهي الثقة بالنفس التي تصل حد الجرأة، والطاقة والدافع الفريدان في التاريخ السعودي الحديث، وأخيراً الحدس السياسي السريع الذي يشكل أساس قراراته الحاسمة.
رجل في عجلة من أمره
في الفصل الأول من الكتاب "رجل في عجلة من أمره" تفصل المؤلفة في أسلوب الأمير محمد بن سلمان الحاسم والسريع في اتخاذ القرار، والنابع من إيمانه بفشل "النهج التدرجي" لوتيرته البطيئة في حل المشكلات، وقد عبر الأمير عن ذلك بنفسه عندما تحدث عن مواجهة التشدد الديني في مقابلة مع مجلة "تايم" عام 2018، وقال "لا أريد أن أضيع وقتي. أنا شاب، ولا أريد لـ70 في المئة من سكان السعودية أن يضيعوا حياتهم في محاولة التخلص من هذا الأمر، نريد القضاء عليه الآن".
زارت هاوس السعودية أول مرة قبل 45 عاماً كمراسلة لـ"وول ستريت جورنال" إبان الحظر النفطي الشهير، ومنذ ذلك الحين أصبحت من أهم المتخصصين الأميركيين بها الذين شهدوا على السعودية في حقب زمنية مختلفة.في كتابها الجديد الصادر عن دار "هاربر كولينز"، تشير المؤلفة إلى زيارتها الملك سلمان في 2010 عندما كان أميراً للرياض. وفي اللقاء الذي حضره الأمير محمد وركز على التغيير في المملكة، سألته هاوس عن الفرق بينه وبين ابنه البالغ آنذاك من العمر 25 سنة، أجاب الأمير سلمان مقتبساً حديثاً نبوياً ينهى الأب عن إجبار ابنه أن يكون مثله. وفق الكاتبة، لم يسهب الملك في شرح الفوارق لكنه بدا متقبلاً لها، ومتصالحاً مع فكرة أن الجيل الجديد سيختار طريقه بنفسه، وتضيف أن "الأب والابن في ما يبدو استجابا لتلك النصيحة النبوية".
بعد سنوات قال ولي العهد السعودي لمستشار الرئيس الأميركي السابق جاريد كوشنر، وفق الكتاب، إن "جيل والدي جاء إلى الرياض وكانت مجرد صحراء، واليوم عندما يرون المطارات والمباني والمدارس، يقولون: لا نصدق أننا أنجزنا كل هذا في حياتنا... نحن، جيلنا، ننظر إلى كل ذلك ونقول: لم نحقق حتى 10 في المئة من إمكاناتنا، لدينا موارد طبيعية وبشرية مذهلة تتجاوز النفط بكثير"، تعلق المؤلفة الأميركية "هذا هو محمد بن سلمان في جوهره، الكوب ليس ممتلئاً سوى بعُشره، وهو مصمم على ملء البقية".
وينقل الكتاب عن ولي العهد السعودي قوله "هذا الجيل طموح، لكنه لا يقيس طموحه بمستوى الخليج، بل العالم"، مضيفاً في لقاء مع المؤلفة عام 2018 "لن أقف متفرجاً من دون أن أصوغ خططاً لمعالجة أي تحد... أنا في عجلة من أمري ولا أريد النظر إلى الأمور كتحديات، بل أريد أن أركز على شكل المنطقة خلال الأعوام الـ10 المقبلة وما طبيعة موقعنا الاقتصادي حينها".
الطموحات الكبرى التي عبر عنها ولي العهد السعودي بأقواله وأفعاله تتزامن أيضاً مع امتنان لما قدمه الملوك المتعاقبون على المملكة، إذ تؤكد هاوس أن الأمير محمد في معظم لقاءاتهما بادر بتأكيد إنجازات ملوك البلاد الراحلين وقيادتهم تحولات مهمة، مشيراً إلى أن الملك سعود أنهى نظام الرق عام 1962 وأدخل تعليم البنات، والملك فيصل أدخل التلفزيون عام 1965، والملك فهد أسس قطاعات التصنيع والمطارات والجامعات.
قدرة الأمير على التخيل ورغبته في التخلص من النهج التدرجي وإدخال السعودية إلى القرن الـ21 تجلت وفق الكتاب في تبنيه مشروع مدينة "ذا لاين"، وهي مدينة خطية على هيئة ناطحة سحاب عاكسة تمتد بطول 170 كيلومتراً وبارتفاع يبلغ نحو 500 متر، أي أعلى من مبنى "إمباير ستيت"، المدينة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ستكون خالية من السيارات والانبعاثات الكربونية، ومعتمدة كلياً على الطاقة المتجددة.
بدايات العمل الحكومي
بدأ محمد بن سلمان مسيرته في العمل الحكومي عام 2007، بعد تخرجه ثانياً على دفعته من كلية القانون بجامعة الملك سعود، وعادة ما يستقطب الخريجون المتفوقون للعمل في "هيئة الخبراء"، وهي جهة مرموقة تقدم البحوث والمشورة القانونية لمجلس الوزراء السعودي.
أثبت الأمير محمد جدارته لدى رئيس الهيئة آنذاك الوزير عصام بن سعيد، الذي استحضر تفاصيل مقابلته ذلك العام قائلاً "كان ذكياً ومرناً وغير متصنع، وبخلاف بعض العقول القانونية التي تعتقد أن ’1+1‘ يساوي اثنين دائماً، فبالنسبة إليه ’1+1‘ قد يساوي ثلاثة... إنه يفكر خارج الصندوق".
بعد هيئة الخبراء، قرر الأمير شق طريقه نحو التجارة، قبل أن يتدخل والده ويقترح عليه العمل في إمارة الرياض. وازدادت ثقة الأمير فبدأ بتقوية علاقاته ومد جسور التواصل مع الشخصيات البارزة في الأسرة المالكة وفق الكتاب، ويقول أصدقاؤه إنه "كان يقتنص كل فرصة تتاح له، وما إن ينتهي منها حتى يبدأ البحث عن فرصة أخرى".يستحضر الأمير تلك المرحلة قائلاً "في سن الـ21، لم أكن أطمح لأن أكون ولي عهد، بل كنت أفكر بما يمكن أن أفعله في سن الـ22. اليوم أرتدي قبعة الوطن، لم أعد أعمل باسمي، بل باسم السعودية."
وبعد سنوات، حظي الأمير محمد بثقة الملك عبدالله، الذي عيّنه رئيساً لمكتب وزير الدفاع، إضافة إلى رئاسة ديوان ولي العهد. وفي مايو (أيار) 2014 عينه الملك وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء، وبذلك أصبح الأمير في عمر 28 سنة مكلفاً بثلاثة مناصب بمرتبة وزير، أكثر من أي مسؤول في الحكومة السعودية آنذاك.
ما زال مشهد أداء القسم محفوراً بعمق في ذاكرة السعوديين، إذ وقف الأمير محمد مرتدياً بشته الأسود ليؤدي القسم، وما إن أنهى تلاوته، حتى قال له الملك عبدالله "الله يوفقك لخدمة دينك، ووطنك، وأمتك العربية والإسلامية، وإن شاء الله أنك تحكم أرضك".
جولة في غرفة ولي العهد السعودي
عندما سُئل الأمير محمد بن سلمان عن استعداده وحماسه للتميز، أقر بهذه السمة قائلاً "إذا لم تتميز فالأجدر بك أن تختفي. إذا رأيت أمراً ينبغي فعله فافعله بغض النظر عما يظنه الآخرون". يؤكد الكتاب أنه بعد أعوام من توليه منصبه، لا يظهر الأمير محمد أي انحسار في الثقة أو فتور في الحزم، ولا تزال هذه الفلسفة توجه رؤيته وقراراته. وتقول هاوس إن حواراتها معه كشفت لها طبيعته التنافسية، ففي طفولته تجلت هذه الصفة عبر شغفه بألعاب الفيديو، إذ يستذكر الأمير عبدالله بن بندر أن الأمير محمد "إذا خسر، يسهر الليل والنهار ليحسن من أدائه".
أدى التشدد الديني إلى تقليص خيارات الترفيه للسعوديين ومنهم محمد بن سلمان، فكانت ألعاب الفيديو وكرة القدم من المتنفسات القليلة المسموح بها. وما زالت غرفة الأمير في قصر الشاطئ في جدة الذي اشتراه الملك سلمان عام 1988 شاهدة على مرحلة الطفولة. بناءً على طلبها، أجرت هاوس جولة في القصر، حيث اصطحبها الأمير خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد ووزير الدفاع الحالي، في جولة على الغرف التي قضوا فيها طفولتهم.
تصف المؤلفة غرفة الأمير خالد، وهو طيار حربي، قائلةً "تعلو الرفوف لعب طائرات مقاتلة، وصوره في صغره وهو يرتدي الزي العسكري، وتجسد الغرفة طفولته بوضوح وحلمه بأن يكون طياراً. وفي أسفل الرفوف توجد لعبة ’نيوبو جيو‘ وأفلام قديمة كان يشاهدها مع إخوته على جهاز فيديو مسجل VCR".
حول الدرج الدائري المؤدي إلى غرفة الأمير خالد تقع غرفة محمد بن سلمان، التي يصفها الكتاب بأنها "غرفة كبيرة وبسيطة الطابع يغلب عليها اللون البيج. يكاد لا يشي بوجوده فيها سوى جهاز "نيو جيو" موضوع على رف الكتب. وتكتمل غرف الطفولة الثلاث في الطابق العلوي بغرفة شقيقهما تركي". أول ألعابه كانت من شركة "نينتندو"، ثم حصل على جهاز "نيو جيو" هدية من والدته عندما كان في السادسة من عمره. وحتى اليوم، يقول ولي العهد إنه لا يزال يمارس ألعاب الفيديو كل صباح لنصف ساعة بعد استيقاظه، وفق الكتاب.
يتحدث الأمير خالد بحب وتقدير لشقيقه، ويقول "كان دائماً طموحاً، ويراقب ويصغي لكل ما يفعله والدنا". ويستحضر ذكريات الطفولة قائلاً "كان يحب مشاهدة الأفلام، وفيلمه المفضل ’حرب النجوم‘ Star Wars". وبعد اندثار أجهزة الفيديو القديمة، يقول الأمير خالد إن ولي العهد "يحتفظ بجهاز Apple TV في غرفته أينما ذهب، ويشغله في نهاية اليوم قبل أن ينام".
اليوم، يدرك ولي العهد السعودي حجم قطاع الألعاب التريليوني، ويريد أن تنافس بلاده على استقطاع حصة كبيرة من القطاع المنتعش. وعلى رغم ضغط العمل وعبء تربية أطفاله الخمسة، روى الأمير للمؤلفة كيف قضى ذات مرة عطلة نهاية الأسبوع في مزرعته متحدياً بطل الشرق الأوسط في لعبة "فاينال فانتسي 16"، وهي من ألعابه المفضلة
. وأقر الأمير بأن ضيفه المتخصص فاز في 60 في المئة من الجولات، لكنه كان "سعيداً" بفوزه في 40 في المئة منها.يرى أصدقاء ولي العهد أن شغفه بألعاب الفيديو في صغره لم يعزز روحه التنافسية فحسب، بل أطلق العنان لمخيلته وأقنعه بأن المستحيل يمكن تحقيقه في الواقع، أما هو فيرى أن لألعاب الفيديو فائدة عقلية، وقال للمؤلفة في 2023 "الرياضيات تدريب للدماغ، أما ألعاب الفيديو فتعصر العقل للتفكير".
وأطلق ولي العهد السعودي في 2022 استراتيجية لتحويل السعودية إلى "مركز عالمي" للقطاع، وتوفير 35 ألف وظيفة وتحقيق إيرادات تصل إلى 13 مليار دولار بحلول 2030، ويقول الكتاب إن الأمير محمد يستند في طموحاته بجذب العالم إلى فعاليات الألعاب في بلاده إلى "حقيقة لافتة" متمثلة في أن عدد اللاعبين في السعودية يشكلون نحو 89 في المئة من السكان، وقد ولدت هذه السوق إيرادات قاربت المليار دولار في 2021.
صياغة الموقع السعودي في العالم
باعتباره الرجل الثاني في السعودية، يقود الأمير محمد بن سلمان عملية تحديث شاملة بدعم والده، وبدأ السعوديون بالفعل يلمسون التغيير. اقتصادياً، انخفض معدل البطالة لأدنى مستوياته في 2025، وبدأت البلاد بتنويع مصادر دخلها عبر المشاريع السياحية الكبرى. اجتماعياً، تحررت البلاد من قبضة التشدد الديني الذي قيد الحياة العامة.
وللبناء على هذه الإصلاحات، يؤمن ولي العهد السعودي أن الأمل الحقيقي في بناء السعودية الجديدة يكمن في شبابها، وهو يريد صنع نموذج جديد للشباب، يعطي الأولوية للازدهار الشخصي وتنمية الاقتصاد الوطني، بدلاً من الاعتماد على إعانات الدولة. وتشبه هاوس الأمير محمد بالرئيس الأميركي جون كينيدي، الذي ألهم مواطنيه الشباب بوعده إرسال أول إنسان إلى القمر.
لكن الرؤية السعودية التي أطلقها الأمير محمد قبل أعوام تشمل أيضاً أهدافاً عالمية، إذ يريد ولي العهد السعودي أن تحتل بلاده مكانة إلى جانب الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند كحكام لسياسات الحوكمة العالمية، في ظل تلاشي الهيمنة الأميركية الأحادية القطب وتصاعد تنافس القوى العظمى.
ووفق الكاتبة فإن الأمير محمد "يرى نفسه ليس فقط صوت العرب، بل صوت 1.9 مليار مسلم في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط... ويسعى إلى تحقيق هدفه في التأثير العالمي بإصرار قد يجهد أي قائد لا يتمتع بشبابه".
الجزيرة العربية التي كانت مكاناً للعزلة أكثر منها مركزاً للقمم أو القوى، وفق الكاتبة، صارت تضج اليوم بالنشاط، مشيرة إلى الكم الهائل للقمم السياسية والاقتصادية التي استضافتها السعودية: قمم عربية وقمم إسلامية وقمم آسيوية وأفريقية، وكتبت "الأمير محمد بن سلمان لا يريد قضاء وقته كله في الصحراء مع صقوره أو في إسطبلاته الملكية متأملاً الخيول العربية الأصيلة، بل عازم على إعادة تشكيل العالم وإعادة رسم الدور السعودي".
وسعى ولي العهد السعودي إلى توطيد علاقات بلاده مع الصين، وهو توجه بدأته السعودية منذ 2005 بعد الغزو الأميركي للعراق، عندما قال بعض الوزراء السعوديين للمؤلفة بلهجة لا تخلو من التحذير: "إذا لم تنتبهوا يا أميركيين، فستجدوننا جميعاً نتحدث الصينية خلال 20 عاماً". وبعد قرابة عقدين أدرجت السعودية اللغة الصينية إلى جانب الإنجليزية في مناهج التعليم.
ولتوصيف طبيعة العلاقة الحالية بين السعودية والصين، في ضوء الشراكة الاستراتيجية الأوسع مع الولايات المتحدة، يقول وزير سعودي وفق الكتاب إن "محمد بن سلمان عرف كيف يتعامل مع الرئيس ترمب، لكنه انسجم مع الرئيس شي".
ماراثون لا سباق 100 متر
حين تولى الملك سلمان الحكم، اتصل الأمير محمد بالمحامي السعودي محمد الجدعان ليعرض عليه رئاسة هيئة السوق المالية، فاعتذر الجدعان بأدب، مبرراً أنه بدأ لتوه تأسيس مكتبه القانوني وكان يستمتع ببعض الوقت مع أسرته. يتذكر الجدعان أن الأمير رد عليه قائلاً "أنتم تثرثرون ليلاً عما هو خاطئ في الحكومة، لكن كيف سيتحسن الوضع إذا لم تبادروا بالمساعدة؟"، وافق الجدعان على المنصب في يناير (كانون الثاني) 2015، وبعد عام واحد عين وزيراً للمالية.
يصف الوزير السعودي محمد آل الشيخ رؤية 2030 بأنها "ماراثون، لا سباق 100 متر"، وهذا يتطلب إيمان السعوديين بها، وتكاتف الجميع، وقد بدا أن ولي العهد يوافقه الرأي، وفق الكتاب، إذ صرح سابقاً أنه بات يعتمد أكثر على وزرائه لتقليل الضغط، بعدما كان من النادر أن يحصل على عطلة نهاية أسبوع في بداياته لإرساء مركز الحكومة.
المشاريع السياحية الكبرى إحدى ركائز الرؤية، وتقول كارين هاوس إن الإحصاءات تظهر بوادر نجاح مبكرة، إذ بلغ عدد الزيارات السياحية إلى المملكة 109 ملايين زيارة عام 2023، متجاوزة هدف الـ100 مليون بحلول عام 2030. ونتيجة لذلك رُفع الهدف إلى 150 مليون زيارة بحلول ذلك العام، مع السعي إلى رفع مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 10 في المئة مقارنة بثلاثة في المئة فقط في 2019، بحسب وزير السياحة السعودي.
وضمن مساعي التنويع، تسعى السعودية إلى إعادة تشكيل المشهد الرياضي العالمي، الذي تجلى في حرب الغولف مع الولايات المتحدة، وانتهت باندماج رابطة لاعبي الغولف الأميركية "بي جي أي" مع دوري "ليف غولف" المملوك للصندوق السيادي السعودي، واعترف المدير التنفيذي أن الرابطة التي كانت مهيمنة على سوق الغولف عالمياً لم تستطع تحمل حرب طويلة مع الدوري الناشئ.
قصة السائق السوري
وتسرد الكاتبة الأميركية قصصا تكشف جوانب من معنويات وخلق الأمير محمد بن سلمان منها التواضع والاعتماد على الذات. ويروي الكتاب قصة سائق سوري يعمل في شركة تتعامل مع السيارات المعطلة في الطرقات، ففي إحدى المرات قاد الأمير محمد سيارته الخاصة وحيداً بعد لقاء أصدقائه، وفجأة، انفجر إطار السيارة. يقول وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان "بدلاً من أن يستدعي الأمير محمد حراسه أو حراس والده تعامل مع الأمر بنفسه"، إذ اتصل بسيارة سحب لتحميل سيارته، فجاءه سائق سوري.
ركب الأمير إلى جانب السائق في شاحنته من دون أن يكشف عن هويته. وخلال رحلة الـ90 دقيقة إلى الرياض، كان السائق يحاول التأكد من أنه سيحصل على أجرته، ولم يدرك أنه يوصل الأمير إلا عندما وصلا إلى قصره.
الكتاب ينصف السعوديات
ناقش الفصل السادس من الكتاب بعنوان "السعوديات يفزن" قصة تمكين رؤية 2030 السعوديات، مشيراً إلى أنه من بين جميع الأهداف التي وضعتها الرؤية، كان تحقيق الهدف المتعلق بزيادة نسبة النساء العاملات إلى 30 في المئة من 22 في المئة بحلول 2030 هو الأسهل. ففي غضون ست سنوات فحسب، وصلت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة إلى 37 في المئة عام 2022.
ومن النماذج التي استشهد بها الكتاب سارة السحيمي التي عملت في القطاع المالي أكثر من 12 عاماً، لكنها عانت التمييز والقيود، لدرجة أن الرجال الذين كانت تتصل بهم كمحللة مالية تطلب معلومات عن شركاتهم كانوا يقطعون المكالمات معها. وتقول "كان عليَّ كتابة أسئلتي وجعل زملائي الرجال يطرحونها نيابة عني". اليوم تشغل السحيمي منصب الرئيسة التنفيذية لسوق الأسهم السعودية "تداول".
وسرد الكتاب قصة صعود جمانا الراشد، الرئيسة التنفيذية لمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام SRMG كأحد القيادات الإعلامية البارزة، موضحاً أن التحول الذي قادته رفع إيرادات الشركة إلى نحو مليار دولار في 2023، بزيادة 66 في المئة مقارنة بعام 2020. وقالت المؤلفة إن "الراشد تجسد جيلاً من النساء السعوديات اللاتي استعددن للتغيير عبر تحصيل العلم واكتساب الخبرات قبل إعلان رؤية 2030".
وتصف مستشارة قانونية في مؤسسة مالية مواقف والدها المتغيرة. في 2017، عندما دعيت لإجراء مقابلة تلفزيونية، وافق والدها بتردد خوفاً من أن تظهر ابنته مكشوفة الوجه مما قد يثير انتقادات. لكن هذا العام عندما دعيت ضمن مجموعة من النساء السعوديات الناجحات للقاء شخصية سياسية غربية بارزة، سألها والدها مرة أخرى إذا كانت ستظهر على التلفاز، لكنه هذه المرة بفخر وليس بقلق.
أكثر القادة طموحاً منذ فتح فارس"
ينوي ولي العهد السعودي أن يكون من هؤلاء الذين يكتشفون آفاقاً جديدة، إذ قال للمؤلفة إن "العالم اليوم يشبه ما كان عليه عند اكتشاف أميركا قبل 600 عام، ومكتشفو العوالم الجديدة الممكنة سيهيمنون على الأجيال القادمة"، متوقعاً أن تصعد الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا والهند إلى المريخ بحلول 2050، ويؤكد أن السعودية ستكون حاضرة، قائلاً "لديَّ 27 سنة، نافذة صغيرة لتحقيق ذلك".
عندما سألته المؤلفة عن القادة الذين أثروا في شخصيته، لم يذكر الأمير محمد حاكماً عظيماً من الماضي، بل لمح إلى أنه يشقه طريقاً مستقلاً. وقال "أحب والدي، لكنني لست هو. وأقول لأطفالي: لا تكونوا مثلي، فجيلكم سيحتاج إلى أفكار جديدة لا إلى أفكاري."
لتلخيص إرثه كأول إمبراطور للإمبراطورية الرومانية، قال أغسطس "وجدت روما مبنية من الطوب، وودعتها مكسوة بالرخام."
حينما اقتبست السيدة هاوس تلك المقولة، وسألت ولي العهد كيف يحب أن يكتب إرثه في السعودية، أجاب بعد وقفة قصيرة وبجدية "وجدت السعودية من رخام، وألهمت جيلاً ليصنع مزيداً من الرخام".
وينقل الكتاب عن المقربين من ولي العهد قولهم إنه "يتصور نفسه رجلاً تاريخياً يؤثر في العالم بأسره بأحلامه الكبيرة ونياته الجريئة، لا مجرد قائد يغير المملكة، ففي عالم يعاني مشكلات كونية، من الكوارث البيئية إلى شبح الحرب النووية، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي الذي قد يصبح مدمراً، يسعى محمد بن سلمان إلى أن يكون نموذجاً في التفكير الابتكاري، لا في الإصلاح التدريجي الذي يراه سمة معظم القادة في الزمن الراهن".
وأشار الكتاب إلى أن الجزيرة العربية التي هرب إليها النبي إيليا، وتأمل الرسول بولس في صحرائها شهدت تحولات مهمة لكنها ظلت محصورة جغرافياً وثقافياً داخل حدودها، وبعيدة من الساحة العالمية الكبرى، غير أن المشهد تغير جذرياً بعد وفاة النبي محمد، حين انطلقت الفتوحات الإسلامية لتوسع نفوذ العرب إلى شتى أنحاء العالم القديم في مناطق واسعة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأجزاء من أوروبا وآسيا.
ووصفت المؤلفة الأميركية محمد بن سلمان بأنه "أول زعيم يسعى إلى أداء دور بارز في السياسة العالمية منذ الفتوحات الإسلامية قبل 1400 عام" و"أكثر القادة العرب طموحاً منذ الفتح الإسلامي لفارس عام 637"، وكتبت "نجاح محمد بن سلمان يصب في مصلحة العالم من الناحيتين الاقتصادية والأمنية".
اندبندنت عربية
https://www.independentarabia.com/node/626822
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=145&id=202213