25 مليار دولار استثمارات السوريين في الولايات المتحدة
عصام غريواتي : سوريا بلد الفرص الكثيرة ..ويدعو المستثمرين للقدوم






اهتمام أميركي بتأسيس مشاريع للغاز والطاقة مع تأسيس  بنك مشترك ومحللون يقللون من وقع رسوم ترمب الجمركية على صادرات دمشق

 
 

سيرياستيبس 

قبل نحو شهرين أعلنت إدارة المدينة الصناعية في حسياء قرب حمص بوسط سوريا تصدير شحنة أنابيب من قبل شركة خاصة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وتصدر الخبر آنذاك وسائل الاعلام المحلية إذ اعتبر انعكاساً للانفتاح وتحسن العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، فيما استدعى تأسيس مجلس الأعمال "السوري - الأميركي" اهتماماً خاصاً من وزير الاقتصاد والصناعة نضال الشعار الذي أعلن عنه، معتبراً إياه خطوة مهمة باتجاه علاقات أفضل مع واشنطن.

إلا أن الأخبار الأكثر أهمية وإستراتيجية كانت في الزيارات المتكررة لرجال أعمال وممثلي شركات أميركية إلى دمشق، بحثوا خلالها فرص إقامة مشاريع طاقة وكان أبرزها قيام مسؤولين من ثلاث شركات طاقة أميركية وهي "بيكر هيوز " و "هانت إنرجي" و "أرجنت" للغاز الطبيعي المسال بإجراء محادثات مع المسؤولين السوريين لإعادة بناء الاقتصاد السوري وتعزيز البنية التحتية الحيوية، واستغلال فرص الاستثمار في قطاع الطاقة السوري، بما في ذلك مشاريع النفط والغاز الطبيعي المسال، وهو ما اعتبره وزير المالية السوري بمثابة دليل على الاهتمام المتزايد من قبل الشركات والمستثمرين الأميركيين للتعامل مع سوريا، وتوج الأمر لاحقاً بإعلان خطة إستراتيجية شاملة لإعادة إحياء وتطوير قطاع النفط والغاز في سوريا، تقوم على تعاون غير مسبوق بين الولايات المتحدة الأميركية والحكومة السورية وتتضمن تأسيس شركة مشتركة لتكون نواة إعادة بناء القطاع وتطويره بمشاركة شركات أميركية كبرى.

وتتضمن الخطة إنشاء كيان قانوني مشترك بين البلدين يتمثل في إنشاء شركة طاقة سورية - أميركية تكون الأداة التنفيذية لمشاريع إعادة التأهيل والاستثمار، وسيشارك صندوق سيادي خاص للطاقة في سوريا بنسبة 30 في المئة من ملكيته، ليكون نموذجاً للشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وأيضاً أُعلن إدراج هذا الكيان الجديد في بورصة نيويورك أو "ناسداك"، وقد ترافق كل ذلك مع حصول سوريا على دعم كبير من الرئيس الأميركي الذي وعد بالعمل على رفع العقوبات عن سوريا لإعطائها فرصة حقيقية لإعادة الإعمار والبناء.

الزيارات الأميركية سواء لمسؤولين أو مستثمرين أو وفود قابلها زيارات لمسؤولين سوريين إلى الولايات المتحدة أبرزها زيارة وفد يضم حاكم مصرف سوريا المركزي ووزير المالية ووزير الاقتصاد والصناعة، وعلى رغم أن الزيارة كانت للمشاركة في اجتماعات البنك الدولي إلا أنها حملت طابعاً ثنائياً وجرى خلالها إجراء لقاءات عدة مع مسؤولين أميركيين، مهدت لاحقاً لزيارة مسؤولين ومستثمرين أميركيين إلى دمشق.

ويرى متخصصون سوريون أن جلب الاستثمارات الأميركية إلى سوريا وتطوير التبادل التجاري وبناء علاقات ثنائية متطورة وعقد الاتفاقات يبدو مرهوناً بالعلاقات السياسية وموقف الولايات المتحدة من السلطات الجديدة في دمشق، والأهم أن بناء علاقات اقتصادية يعتمد على أمرين اثنين، الأول إنجاز رفع العقوبات بصورة كاملة، أما الثاني فتوافر الأمن وإنهاء المظاهر المسلحة في سوريا.

تحالف 1000 رجل أعمال

وبحسب معلومات خاصة حصلت عليها "اندبندنت عربية" فإن رجال الأعمال السوريين المقيمين في الولايات المتحدة شكلوا تحالفاً يضم نحو 1000 رجل أعمال سوري وأميركي للعمل كمجموعة تبحث عن فرص الاستثمار في سوريا للاستفادة من تحسن العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة، واللافت أن تطلعات هؤلاء المستثمرين لا تركز على المشاريع الحيوية والكبرى بل تتوجه نحو إقامة مصارف وشركات تأمين وجامعات ومدارس وفنادق، ويقول مصدر سوري مطلع إن "من بين الأفكار المطروحة العمل على تحويل سوريا إلى وجهة سياحية للسياح الأميركيين، خصوصاً سياحة الآثار التي تتميز بها سوريا ويمكن أن تكون رافعة للسياحة في البلاد مستقبلاً، لذلك فان التفكير تجاه سوريا يذهب في جزء مهم منه إلى إقامة استثمارات سياحية متكاملة الحلقات من تسويق وسفر وإقامة وتنقل".

 وأشار المصدر إلى أن "إنجاز هذا النوع من الاستثمارات والمشاريع مرتبط بتحسن الاوضاع الأمنية، لا في سوريا وحسب وإنما في كامل المنطقة".

وتابع المصدر أنه "في مقاربة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين سوريا والولايات المتحدة لا يمكن الابتعاد من السياسة، وعلى رغم التطورات المهمة التي طرأت على موقف الرئيس ترمب تجاه سوريا ورفع العقوبات، وهو الأمر الذي لم ينجز كما يجب حتى الآن، وأفسح المجال لإعادة دخول سوريا في النظام الاقتصادي والمالي العالمي، فإن تحقيق ذلك يسير ببطء، وفي الأقل لم يصل إلى إتمام الأمور كما يجب وبما يسمح لسوريا بالتعامل مع النظام المصرفي العالمي وتلقي الحوالات عبر الجهاز المصرفي العالمي، وامتلاك شبكة اتفاقات مع مصارف مراسلة حول العالم، إذ يحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت".

 مصرف سوري - أميركي مشترك

وقال رئيس غرفة تجارة دمشق عصام غريواتي لـ "اندبندنت عربية" إن "استثمارات وثروات السوريين في الولايات المتحدة تبلغ نحو 25 مليار دولار"، مضيفاً "هذا رقم كبير يمكن أن يساعد في توجه السوريين الأميركيين للاستثمار في سوريا عبر إقامة مشاريع في البنى التحتية وسوريا في حاجة كبيرة إليها"، مؤكداً أن هناك فرصاً استثمارية كثيرة في سوريا، وهي موضع اهتمام السوريين في الولايات المتحدة، كاشفاً في السياق عن تجمع يضم رجال أعمال سوريين وأميركيين ومستثمرين أميركيين لبحث فرص الاستثمار، وقد زار أكثر من وفد يمثلون هذا التجمع دمشق للاطلاع على الفرص الاستثمارية وبحث إمكان إقامة مشاريع، إذ يركز هؤلاء المستثمرون على البنى التحتية والخدمية، خصوصاً تلك التي تشكل حاجة إلى كثير من السوريين المقيمين في الخارج، خصوصاً أن توافرها يمكن أن يشجعهم على العودة لاحقاً لسوريا والاستقرار فيها.

وأشار غريواتي، وهو أحد مؤسسي مجلس رجال الأعمال السوري -الأميركي، إلى أن سوريا في حاجة إلى استثمارات من قبيل المدارس والجامعات والفنادق، تماماً كما هي في حاجة إلى مشاريع الطاقة والكهرباء والغاز وغيرها، وكشف رئيس غرفة تجارة دمشق عن التوجه لتأسيس بنك سوري - أميركي في سوريا، ويجري حالياً العمل على إجراءات تأسيسه والبحث عن مقار له داخل البلاد، مشيراً إلى أن دمشق في حاجة إلى إقامة المزيد من البنوك والمؤسسات المالية ورفد القطاع المصرفي بدماء جديدة قادرة على إدخال الخدمات المتطورة التي تحتاج إليها بيئة الأعمال والمستثمرين و المتعاملين كافة مع البنوك.

ووصف غريواتي سوريا بأنها بلد الفرص الكبيرة والكثيرة، وأي استثمار فيها مهما صغر فهو مضمون الريعية، داعياً المستثمرين السورين في الخارج وخصوصاً في الولايات المتحدة إلى القدوم إلى سوريا والاستثمار فيها واقتناص الفرص المتوافرة اليوم لأنها بحسب تعبيره قد لا تكون موجودة بعد عام، في إشارة إلى أن هناك إقبالاً من المستثمرين حول العالم من سورين وغيرهم للاستثمار في سوريا وحجز مشاريعهم، مؤكداً أن السوريين سيكونون بمثابة القاطرة التي تجر الاستثمارات والمستثمرين وخصوصاً بعد إصدار قانون استثمار جديد والقيام بعملية إصلاح واسعة للنظام الضريبي في البلاد.

رسوم جمركية قاسية على الواردات السورية

وقبل أيام أبقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب على قرار فرض رسوم جمركية مشددة تبلغ 41 في المئة على الواردات السورية، لتكون دمشق الأكثر خضوعاً للرسوم الأميركية في العالم، متقدمة حتى على دول تخوض واشنطن معها نزاعات تجارية طويلة مثل الصين وكندا والمكسيك، وسبب فرض هذه الرسوم يعود لكون الميزان التجاري لمصلحة سوريا بأضعاف عدة، على رغم أن حجم التبادل التجاري بين البلدين متواضع جداً، وتبدو الولايات المتحدة واحدة من دول قليلة جداً تظهر أرقام التبادل التجاري معها فائضاً لمصلحة سوريا التي تعاني خسارة ميزانها التجاري مع كل الدول، إلا أن حجم التبادل التجاري بين دمشق وواشنطن متواضع للغاية ولم يتجاوز عام 2024 الـ 10 ملايين دولار، في حين أشارت إحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري عام 2023 بلغ  12.32 مليون دولار، ذهب منها11.3  مليون دولار للصادرات السورية، أما الصادرات الأميركية إلى سوريا فتبلغ 1.29  مليون دولار ,حسب.



وبحسب مصادر تجارية في العاصمة دمشق فإن أهم الصادرات السورية إلى الولايات المتحدة هي القطنيات والأقمشة الخاصة التي تشتهر بها سوريا وبعض أنواع التوابل والمكسرات والحلويات العربية، إضافة إلى بعض أنواع الكحول ومنتجات حرفية وتراثية ذات طابع سوري، وغالباً فإن تركيبة الصادرات تستهدف السوريين الموجودين في الولايات المتحدة وبعض المطاعم والمحال التجارية المتخصصة، أما صادرات الولايات المتحدة إلى سوريا فتكاد تنحصر في الأدوية والمكملات الغذائية التي تدخل ضمن اشتراطات معينة نظراً لوجود عقوبات على سوريا، وتشير المعلومات إلى أن قسماً كبيراً من الأدوية الأميركية والمكملات الغذائية المرغوبة في سوريا تهرّب من طريق لبنان، مع الإشارة إلى أن التهريب يمكن أن يرفع حجم المستوردات السورية من الولايات المتحدة بنسبة تفوق التجارة الرسمية.

وأرجع متخصصون سبب وضع رسوم جمركية عالية على الصادرات السورية إلى الاختلال الكبير في الميزان التجاري بين البلدين لمصلحة سوريا، مستبعدين أن تكون هاك أسباب سياسة، خصوصاً أن العلاقات تسير نحو التحسن وترمب خفف العقوبات لمنح سوريا فرصة لتبني نفسها، في حين ذهبت بعض الآراء إلى أن الرسوم تشكل مزيداً من الضغط الاقتصادي على دمشق من قبل الولايات المتحدة، معتبرة أن التعرفة العالية التي فرضتها الإدارة الأميركية على سوريا لن تؤثر كثيراً في حجم التجارة الفعلي بين البلدين، نظراً إلى أن التجارة كانت شبه متوقفة منذ أعوام بسبب العقوبات الاقتصادية والحصار، لكنها تعكس بصورة واضحة استمرار العزلة الاقتصادية المفروضة على سوريا، وتعمل كأداة ضغط سياسية واقتصادية إضافية تهدف إلى الحد من أية تحركات اقتصادية محتملة قد تعزز قدرة الحكومة السورية على المناورة.

الأسواق الأميركية لا تهم المصدرين السوريين

عضو غرفة تجارة دمشق محمد حلاق أكد لـ "اندبندنت عربية" أن "الأسواق الأميركية بعيدة وليست ضمن اهتمام الشركات السورية التي تميل إلى الأسواق الأقرب، سواء في الدول العربية أو الأوروبية، في حين تبدو الأسواق الأميركية بعيدة جغرافياً ولا تستهوي السورين لا تصديراً ولا استيراداً"، وقال "إذا كان هناك تصدير للغذاء وخصوصاً الكونسروة فغالباً يجري ذلك من معامل عائدة للسوريين في دول أخرى مثل مصر والأردن"، مضيفاً أنه "خلال فترة الحرب والعقوبات كان مسموحاً استيراد الأدوية والغذاء ضمن اشتراطات معينة"، مستدركاً "لكن لا يمكن الحديث عن أرقام مهمة بسبب البعد الجغرافي وميل المصدرين السوريين إلى أسواق المنطقة، حيث يمكن لهم المنافسة". 

ووصف حلاق الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأميركية على سوريا بـ "دعاية إعلامية" ليس لها أي تأثير أمام محدودية التبادل التجاري وحتى الصادرات التي تميل لمصلحة سوريا، فالأرقام محدودة جداً وتستهدف الثقافة السورية في الولايات المتحدة وقلة من الأميركيين، مؤكداً أن الصادرات السورية تناسب في جودتها وتنافسيتها أسواق المنطقة، وقال إن "صورة التعاون الاقتصادي المنتظرة بين سوريا والولايات المتحدة تكمن في الاستثمارات والمشاريع الكبيرة التي تحتاج إليها سوريا في مرحلة إعادة الإعمار وتحمل بعداً إستراتيجياً"، آملاً أن ترفع العقوبات بصورة كاملة عن سوريا وموضحاً أنه "برفعها ستستطيع قيادة تعاونها الاقتصادي مع مختلف دول العالم".

400 مليون دولار قبل عام 2011

وقبل عام 2011 كانت التجارة الثنائية بين سوريا والولايات المتحدة تتراوح ما بين 300 و400 مليون دولار سنوياً، لكنها توقفت تقريباً بعد فرض العقوبات الأميركية وخصوصاً بعد صدور قانوني "محاسبة سوريا" و"قيصر"، ولذلك تمثل التجارة مع سورية أقل من 0.001 في المئة من إجمال تجارة الولايات المتحدة العالمية، وتخرج دمشق من قائمة أكبر 200 شريك تجاري للولايات المتحدة، كما تعد العلاقات التجارية بين البلدين في حكم المقطوعة منذ أكثر من عقد، وأي صادرات حالية تجري ضمن إعفاءات إنسانية أو طبية، وغالباً عبر منظمات دولية أو دول وسيطة، ولذلك فإن فرض تعرفة جمركية بنسبة 41 في المئة ليس خطوة اقتصادية وحسب، بل يحمل رمزية سياسية تعقد حتى عمليات الإرساليات غير الربحية التي تمر عبر القنوات الرسمية، إذ لا تزال سوريا تواجه تحديات كبيرة في فتح أسواق جديدة أو تحسين علاقاتها التجارية مع الدول الكبرى في ظل استمرار الوضع الأمني غير المستقر والعقوبات، مما سيدفع البلاد إلى تطوير علاقاتها مع دول اقرب إليها مثل السعودية وقطر وتركيا، إذ يبدو التعاون الاقتصادي سلسلاً ومتاحاً بصورة أفضل.

في غضون ذلك ذكرت "الوكالة العربية السورية للأنباء" (سانا) أن رئيس هيئة الاستثمار السورية طلال الهلالي أعلن أمس الأربعاء 12 مشروعاً استثمارياً بقيمة إجمالية تبلغ 14 مليار دولار، ونقلت عنه قوله إن "من أبرز هذه المشاريع مطار دمشق الدولي باستثمار قيمته 4 مليارات دولار، ومترو دمشق باستثمار ملياري دولار، ومشروع حيوي للبنية التحتية والتنقل الحضري، وأبراج دمشق باستثمار ملياري دولار، وأبراج البرامكة باستثمار 500 مليون دولار، ومول البرامكة باستثمار 60 مليون دولار"، مضيفاً أن "المشاريع ستمتد عبر سوريا لتشكل نقلة نوعية في البنية التحتية والحياة الاقتصادية".



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=131&id=202540

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc