هل يتحرك قادة الـ20 لوقف أخطر أزمة تهدد الاقتصاد العالمي؟
16/11/2025




سيرياستيبس :

بينما تتجه الأنظار إلى قمة مجموعة الـ20 في جوهانسبورغ، يطفو على سطح الاقتصاد العالمي ملف شديد الحساسية: فجوة التفاوت الطبقي التي تتسع بوتيرة غير مسبوقة وتعيد تشكيل خريطة الثروة في العالم.

وتستضيف جنوب أفريقيا، للمرة الأولى في القارة السمراء، قمة لقادة الدول ذات الاقتصادات الأكبر في العالم، بين الـ22 والـ23 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري في جوهانسبورغ.
قبل القمة، دق أكثر من 500 عالم اقتصاد ومؤرخ ومتخصص في العلوم الاجتماعية ناقوس الخطر، مؤكدين أن اتساع الفجوة لم يعد مجرد ظاهرة اقتصادية بل تحول إلى تهديد مباشر للديمقراطية وتماسك المجتمعات.
وتطالب هذه النخبة بتأسيس لجنة دولية دائمة، على غرار الهيئة الحكومية لتغير المناخ، لمعالجة أزمة باتت أعمق من أي وقت مضى.
التفاوت الطبقي تحت المجهر
في تقرير معد بطلب من جنوب أفريقيا وتولى الإشراف عليه الاقتصادي العالمي جوزيف ستيغليتز الحائز جائزة نوبل، جرى توصيف التفاوت الطبقي بوصفه أخطر أزمة اقتصادية اجتماعية منذ بداية القرن الـ21.
التقرير الذي يعرض على طاولة قادة الـ20 يكشف عن أن واحداً في المئة من أثرى أثرياء العالم استحوذوا على 41 في المئة من الثروات الجديدة بين 2000 و2024، بينما حصل 50 في المئة من سكان العالم الأكثر فقراً على واحد في المئة وحسب من تلك الثروات.

يعاني ثمانية من كل 10 فقراء في أفريقيا جنوب الصحراء انعدام الأمن الغذائي (أ ف ب)
هذه الفجوة غير المسبوقة تعكس ما يسميه الخبراء "المنظومة المختلة لتوزيع العوائد"، إذ يزداد تركز الثروة في عدد محدود من الاقتصادات وأفراد الطبقة الفائقة الثراء، فيما يعاني أكثر من 3.3 مليار إنسان محدودية الوصول إلى التعليم والخدمات والفرص الاقتصادية. ويرى التقرير أن استمرار هذا الاتجاه يهدد استقرار الأسواق ويقوض ثقة الشعوب في المؤسسات الرسمية.
الفقر العالمي... صورة داكنة بلا ملامح انفراج قريب
على رغم التقدم الاقتصادي العالمي خلال العقدين الماضيين، لا تزال معدلات الفقر المرتفع تهيمن على أجزاء واسعة من العالم، خصوصاً في أفريقيا جنوب الصحراء، وفق تقارير منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي، يعيش أكثر من 700 مليون شخص تحت خط الفقر المدقع، وتتركز نسبة 60 في المئة من فقراء العالم في القارة الأفريقية.
ويعاني نحو ثمانية من كل 10 فقراء في أفريقيا جنوب الصحراء انعدام الأمن الغذائي، بينما ترتفع نسبة الفقر في بعض دول القارة إلى أكثر من 45 في المئة من السكان، مع نمو سكاني سريع يفوق قدرات الحكومات على خلق فرص العمل.
في نيجيريا وحدها، يعيش نحو 90 مليون نسمة تحت خط الفقر، بينما تواجه دول مثل موزمبيق والكونغو وتنزانيا فجوات متزايدة بين المدن والمناطق الريفية.
ويرى ستيغليتز وآخرون أن الفقر العالمي بات مرتبطاً بمنظومة أعمق تشمل الضرائب والتجارة وسلاسل القيمة العالمية وتراجع دور الدولة في حماية الفئات الأكثر هشاشة، وتسهم الأتمتة والتحول الرقمي في إقصاء فئات واسعة من سوق العمل، مما يعزز تفاوت الدخول ويضعف قدرة الدول النامية على اللحاق بالنمو العالمي.
قمة الـ20 بين ضغط الأكاديميين وواقع السياسات الدولية
في غضون ذلك، ترى مجموعة من الخبراء أن اللحظة الحالية تمثل فرصة تاريخية لدفع قادة دول الـ20 نحو تبني آليات طويلة الأمد لمكافحة التفاوت الطبقي، والدعوة إلى تأسيس لجنة دولية دائمة للتفاوت الاقتصادي تهدف إلى جمع البيانات وتوحيد منهجيات قياس الفجوة الطبقية ومراقبة السياسات الضريبية ومعدلات الأجور وإصدار تقارير سنوية تعرض على القادة وصناع القرار واقتراح حلول عالمية مرتبطة بالابتكار والتعليم والضرائب على الثروات الضخمة.
وتلفت جنوب أفريقيا، التي تستضيف للمرة الأولى قمة الـ20 في القارة السمراء، إلى أن القارة الأفريقية تعد مسرحاً حياً للفجوة الطبقية، إذ تتعايش ثروات ضخمة في قطاعات المعادن والطاقة مع معدلات فقر وتهميش مرتفعة.


ويرى محللون أن هذا التناقض يجعل الملف أكثر إلحاحاً في سياق عالمي يواجه اضطرابات اقتصادية، من ارتفاع أسعار الغذاء إلى تباطؤ النمو وصدمات المناخ.
التقرير يشير بوضوح إلى أن تجاهل هذه الأزمة سيعيد إنتاج موجات من الهجرة، وتصاعد الشعبوية، وتنامي الاحتقان الاجتماعي.
ويشبه الخبراء ضرورة التعامل مع التفاوت الطبقي بضرورة مواجهة تغير المناخ، مؤكدين أن كليهما تهديد عالمي لا يعترف بالحدود.
تركز الثروات عالمياً
تظهر بيانات المؤسسات الدولية أن تركز الثروة لا يقتصر على الفوارق داخل الدولة الواحدة، بل يمتد أيضاً بين الدول ذاتها، إذ تستحوذ الاقتصادات المتقدمة على الحصة الأكبر من الثروة العالمية.
وفقاً لتقارير البنك الدولي وصندوق النقد، تسيطر الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية واليابان على ما يفوق 65 في المئة من صافي الثروات المملوكة للأفراد حول العالم، على رغم أن سكانها لا يتجاوزون 13 في المئة من سكان الكوكب.
في المقابل، تمتلك دول أفريقيا جنوب الصحراء مجتمعة أقل من واحد في المئة من الثروة العالمية، على رغم أنها موطن لأكثر من مليار نسمة، إذ يكشف هذا الاختلال أن الثروة يعاد تدويرها داخل الاقتصادات الغنية عبر تراكم رأس المال، فيما تواجه الاقتصادات النامية قيوداً هيكلية تشمل ضعف شبكات الحماية الاجتماعية، وغياب تنوع القاعدة الإنتاجية، والتأثر الحاد بالصدمات الخارجية كالديون وتقلبات أسعار السلع.
هذا النمط العالمي أدى إلى خلق تباين صارخ بين الفئات الاجتماعية داخل الدول نفسها، وزاد من هشاشة الطبقات المتوسطة، وعمق الفقر البنيوي في دول الجنوب، مما يجعل أزمة التفاوت الطبقي أزمة متعددة الطبقات تمتد من داخل المجتمعات إلى المستوى الدولي الواسع.
على أي حال، تحذيرات الخبراء ليست مجرد توصية أكاديمية بل دعوة عاجلة إلى تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية، فالعالم يقف اليوم أمام مفترق طرق، فإما بناء منظومة أكثر عدالة تضمن تقليص الفجوة الطبقية، أو مواجهة موجة من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية التي قد تعيد صياغة المشهد العالمي لعقود، فالطريق واضح، لكن القرار يبقى بيد قادة الـ20.

اندبندنت عربية 



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=131&id=203625

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc