الأنهار السورية أمثلة قاسية ومؤلمة
الجفاف يلاحق أنهاراً بالمنطقة... أزمة مناخ أم ممارسات بشرية؟





خبير : بتنا أمام ظاهرة تهدد الاستقرار المائي والغذائي والاجتماعي على المدى الطويل


 
 

سيرياستيبس :

تشهد أنهار عدة في منطقة الشرق الأوسط تراجعاً في منسوبها المائي في السنوات الأخيرة، أدى إلى جفاف بعضها تماماً، كما في حالة نهر العاصي في سوريا والذي جف للمرة الأولى في تاريخه، فيما تعاني دول عربية من أسوأ موجات جفاف على مدار عقود، وفق بيانات رسمية وخبراء.

وتتجلى مظاهر جفاف الأنهار في انحسارٍ حادّ لمناسيب الأنهار الكبرى ووصول بعضها إلى شفير الجفاف الكامل، مما يهدد الأمن المائي والغذائي لمئات الملايين. وتتجاوز وقائع الجفاف الحالة الموسمية إلى كونها ظاهرة بيئية تنذر بالخطر، ويتوقع حدوثها في سنوات مقبلة، بل تغذي الظاهرة تفاعلات معقدة: تغيُّر المناخ المتسارع، وسوء إدارة الموارد المائية، وبناء السدود العابرة للحدود، والاستهلاك الزراعي الجائر.

وتؤكد أزمة جفاف الأنهار الحالية بأن المياه ليست مجرد مورد طبيعي، بل هي شريان الحياة للتنمية الاقتصادية، وحجر الزاوية في الاستقرار السياسي، وأحد أركان الأمن الإنساني الأساسية. فجفاف النهر ليس فقداناً للماء فحسب، كما يقول خبراء، بل هو اختبار لقدرة البشر على المواجهة والتعاون في موطن تشتد فيه ندرة المياه يومياً.

يرصد هذا التقرير أبرز النماذج الموثقة والحديثة لجفاف الأنهار في الشرق الأوسط، سواء كان موسمياً أو جزئياً أو انحساراً حاداً مرتبطاً بتغيّر المناخ وانخفاض الأمطار والضخّ الجائر، إضافةً إلى تعليق من خبير في البيئة والتغيّر المناخي على الظاهرة.

دجلة والفرات - العراق وسوريا وتركيا

في العراق، أصبح عام 2025 العام الأكثر جفافاً على الإطلاق منذ عام 1933، حيث انخفضت مستويات المياه في نهري دجلة والفرات بنسبة تصل إلى 27 في المائة بسبب قلة هطول الأمطار والقيود المفروضة على المنبع، إضافة إلى لجوء إيران إلى قطع 4 روافد لنهر دجلة. في سوريا المجاورة، انخفض معدل هطول الأمطار بنسبة تقارب 70 في المائة، مما أدى إلى شلل 75 في المائة من الأراضي الزراعية البعلية في البلاد، وترك عجزاً يقدر بنحو 2.73 مليون طن من القمح، وفق تقرير من منظمة «وورلد ويزر أتريبيوشن».

وتشهد المناطق المحيطة بمسار نهري دجلة والفرات في العراق وسوريا تراجعاً كبيراً في الموارد المائية خلال السنوات الأخيرة، نتيجة انخفاض الأمطار وارتفاع درجات الحرارة. ينبع «الفرات» من تركيا ويعبر الأراضي السورية ليجري داخل الأراضي العراقية، حيث يلتقي في جنوبها مع نهر دجلة، ليشكلا شط العرب.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن شرق المتوسط شهد منذ شتاء 2020-2021 موجات جفاف متكررة مرتبطة بتغيّر المناخ. فيما توثّق وزارة الموارد المائية العراقية والأمم المتحدة (يونيسف/برنامج الأغذية العالمي) في عام 2023 أن البلاد تواجه منذ سنوات انخفاضاً حاداً في تدفقات دجلة والفرات، وأن موجات الجفاف اشتدّت بشكل ملحوظ في أعوام 2008 و2015 و2022، مع ارتفاع لافت في درجات الحرارة وازدياد معدلات التبخر. من جهة ثانية، فإن سوريا والعراق مصنّفان بين أكثر البلدان هشاشة لتأثيرات المناخ؛ فالعراق ضمن أكثر خمس دول تأثراً عالمياً، مع تهديد التصحر لـ92 في المائة من أراضيه وارتفاع الحرارة بمعدل يفوق المتوسط العالمي بعدة أضعاف. وتفيد التقديرات السكانية الرسمية بأن عدد سكان العراق تجاوز 43 مليون نسمة في 2024، وفق الجهاز المركزي للإحصاء العراقي، ما يزيد الضغط على الموارد المائية.

صورة من أول مايو (ايار) الماضي تظهر تراجع منسوب المياه في نهر دجلة ببغداد (أ.ف.ب)
صورة من أول مايو (ايار) الماضي تظهر تراجع منسوب المياه في نهر دجلة ببغداد (أ.ف.ب)

وينبع نهر دجلة من جبال طوروس في تركيا، ويبلغ طول مجراه نحو 1718 كيلومتراً، منها نحو 1400 كلم داخل العراق، بينما يمر لمسافة نحو 50 كلم داخل سوريا قبل دخوله الأراضي العراقية، وذلك حسب بيانات وزارة الموارد المائية العراقية، وتؤكد وزارة الموارد المائية العراقية كذلك أن تدفقات نهري دجلة والفرات تأثرت بعوامل عدة، أبرزها تراجع الأمطار فوق حوضي الأناضول، إضافةً إلى تشغيل السدود الإقليمية في دول المنبع، مما أدى إلى انخفاض الإطلاقات الواردة إلى العراق خلال السنوات الأخيرة.

مؤشرات على زيادة الجفاف

وعدَّ المهندس عماد سعد، خبير الاستدامة والتغير المناخي، ورئيس شبكة بيئة ابوظبي، أن جفاف الأنهار في المنطقة لم يعد «سنة جفاف» عابرة، بل «ظاهرة» تشمل تكرار الجفاف في عقود متتابعة (ليس عاماً أو عامين متباعدين). وأن هناك اتجاهاً تنازلياً في المتوسط طويل الأجل للتصريف وليس فقط التذبذب السنوي، مضيفاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «الجفاف اقترن بعوامل هيكلية مثل تدهور في الغطاء النباتي، وزيادة في درجات الحرارة والتبخر. وبالتالي فإننا نجد أن تأثير الجفاف قد تحوَّل من قطاع واحد (الزراعة مثلاً) إلى تأثير مجتمعي شامل من هجرة، وبطالة، ونزاعات على الموارد». ويقول: «بهذه المعايير، بتنا أمام ظاهرة مناخية مستمرة تهدد الاستقرار المائي والغذائي والاجتماعي على المدى الطويل».

وأشار تقرير منظمة الأغذية والزراعة (فاو) عام 2023، إلى تراجع كبير في منسوب نهر الفرات في سوريا والعراق منذ عام 2010، حيث انخفضت التدفقات إلى مستويات أقل من ثلث معدلاتها الطبيعية في بعض السنوات، نتيجة انخفاض الأمطار واستمرار ارتفاع درجات الحرارة. وحسب التقرير نفسه، أدى نقص الأمطار الذي وصل إلى نحو 70 في المائة في بعض المناطق الزراعية في سوريا والعراق إلى تراجع إنتاج المحاصيل البعلية، لا سيما القمح، مع تسجيل عجز قُدّر بنحو 2.73 مليون طن من القمح في سوريا خلال عام 2022 - 2023.

ويشير تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (2021 - 2024) إلى أن انخفاض تدفقات الفرات أسهم في زيادة ملوحة المياه وتوسع الطحالب وازدياد ترسبات النباتات في بعض المناطق، مما يهدد بانسداد المجاري المائية وتراجع جودة المياه.

خريطة حرارية تُظهر اختلاف مناطق الجفاف وفقاً لنظام رصد الجفاف العالمي الأميركي: تستند الفئات إلى قيم مؤشر الجفاف العام على مدى 36 شهراً في يونيو 2023... مناطق الدراسة مُحددة باللون الرمادي (حوض نهري دجلة والفرات على اليسار وإيران على اليمين)... (موقع منظمة «وورلد ويزر أتريبيوشن»)
خريطة حرارية تُظهر اختلاف مناطق الجفاف وفقاً لنظام رصد الجفاف العالمي الأميركي: تستند الفئات إلى قيم مؤشر الجفاف العام على مدى 36 شهراً في يونيو 2023... مناطق الدراسة مُحددة باللون الرمادي (حوض نهري دجلة والفرات على اليسار وإيران على اليمين)... (موقع منظمة «وورلد ويزر أتريبيوشن»)

وتُظهر بيانات تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) حول تأثير تغير المناخ على الموارد المائية المشتركة في حوض الفرات (2021)، أن تصريف المياه في حوض الفرات عند نقاط رئيسية في سوريا والعراق أصبح أدنى من المتوسط التاريخي منذ أواخر تسعينات القرن الماضي، مع استمرار مسار تنازلي واضح مرتبط بالجفاف وبناء السدود في المنابع. كما تتوقع الدراسات عن نهري دجلة والفرات في العراق انخفاضاً في الموارد المائية العذبة بنسبة تقارب 20 في المائة بحلول 2050 إذا استمر المسار الحالي لتغير المناخ والبناء الكثيف للسدود.

تظهر بقع من مجرى نهر دجلة في بغداد 24 نوفمبر 2025... العراق البلد المتأثر بشدة بتغير المناخ يعاني منذ سنوات من الجفاف وقلة الأمطار (أ.ف.ب)
تظهر بقع من مجرى نهر دجلة في بغداد 24 نوفمبر 2025... العراق البلد المتأثر بشدة بتغير المناخ يعاني منذ سنوات من الجفاف وقلة الأمطار (أ.ف.ب)

وفي هذا الإطار، أشارت وكالة «ناسا إرث»، في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، إلى انخفاض مستوى بحيرة ثرثار (أكبر خزان مائي في العراق) إلى أدنى مستوى مسجل منذ 1992، بنسبة انخفاض تصل إلى 80 في المائة مقارنةً بـ2020، وفق موقع وكالة «ناسا»؛ بسبب الجفاف المستمر ونقص الإفراج من السدود في تركيا وإيران. وأظهرت الصور الفضائية جفافاً واسعاً، مما يهدد الزراعة والشحن النهري، ويسمح بدخول مياه البحر الملحية إلى الأعلى.


رسم بياني لمعدل انخفاض بحيرة ثرثار العراقية (موقع ناسا)

ونبّه المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، في تصريح سابق، إلى أن العراق «لديه اليوم أقل مخزون مائي في تاريخه، ويتلقى أقل من 35 في المائة من الحصة المائية التي يُفترض أن يتسلمها» من دجلة والفرات. وتقول السلطات إن ذلك يُضطرها إلى إطلاق كميات إضافية من خزاناتها المائية المتناقصة للحفاظ على تدفق المياه في الفرات، وهو إجراء قد لا يكون مستداماً.

أزمة مناخ أم ممارسة بشرية؟

ورأى خبير التنمية المستدامة أن التغيرات المناخية تعد جزءاً أساسياً من المشكلة لكنها ليست القصة كاملة. مضيفاً أن «التغير المناخي يلعب دوراً مهماً في ارتفاع الحرارة الذي يقلل الجريان السطحي ويزيد التبخر من السدود والتربة. كما يؤدي تغيّر نمط الأمطار إلى مواسم أقصر، وغزارة مركزة على شكل سيول بدلاً من أمطار موزعة زمنياً». وأردف سعد أنه «في حين أن نماذج حوضي دجلة والفرات تشير إلى أن تغير المناخ سيؤدي إلى انخفاض إضافي في الجريان وزيادة تواتر موجات الجفاف».


 

ويتابع سعد أن الممارسات البشرية لعبت دوراً سلبياً في مضاعفة عوامل الأزمة؛ سواء في إدارة المياه داخلياً باتباع نظم ري تقليدية غارقة في الهدر (الري بالغمر، وقنوات ترابية مكشوفة)، مع وجود فاقد كبير في الشبكات الحضرية (تسرب، وسرقات مياه)، أو عن طريق التوسع الزراعي غير المتوافق مع الموارد. ويضرب الخبير المثل بـ«زراعة محاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه (كالقمح والأرز والقصب) في مناطق تعاني أصلاً من عجز مائي. ودعم سياسات زراعية كمّية بدل دعم الزراعة الذكية مناخياً أو المحاصيل الأقل استهلاكاً للمياه، أو عن طريق الضخ الجائر للمياه الجوفية، ونقص مياه الأنهار بالاعتماد المفرط على الآبار، مما خلق عجزاً مزدوجاً (سطحي + جوفي)».

ويوضح سعد أنه «بالإضافة إلى التلوث وضعف الحوكمة، فتلوث نهرَي دجلة والفرات بالمخلفات الصناعية والصرف الصحي والزراعي يجعل جزءاً من المياه غير صالح للاستخدام، ومن الخطأ نسبة الأزمة إلى المناخ وحده؛ نحن أمام كارثة مركّبة يتفاعل فيها المناخ مع السياسات المائية والزراعية والاقتصادية، فينتج عنها ما نراه من جفاف شبه دائم».

حلول مُلحة لوقف الهدر

ورأى سعد أن السؤال لم يعد: «كيف نتعايش مع الجفاف؟» بل أصبح: «كيف نعيد بناء منظومة مائية قادرة على الصمود في عصر تغير المناخ؟»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا يتطلب خريطة طريق متعددة المسارات، تبدأ بإدارة الطلب وتنتهي بتغيير قواعد العمل».

ويقول خبير التنمية المستدامة: «لدينا أولويات عاجلة مثل إدارة الطلب وترشيد الاستخدام قبل البحث عن موارد جديدة، لأن 80 في المائة من مياه المنطقة تذهب للزراعة، وغالبها يهدر في نظم ري تقليدية. لذلك يجب تسريع التحول نحو الري الحديث، وتبطين قنوات النقل وتقليل الفواقد التي تصل إلى 40 في المائة في بعض المناطق، إلى جانب تغيير التركيبة المحصولية»، وعن تلك التراكيب المحصولية يقول سعد: «فمن غير الممكن استمرار زراعة محاصيل كثيفة المياه كالقمح والرز والقصب في مناطق جافة بطبيعتها. لذا نحن بحاجة إلى خطة عاجلة تشمل تشجيع محاصيل تتحمل الجفاف (شعير - فول سوداني - نباتات علفية بديلة). إدخال أصناف حديثة مقاومة للحرارة والملوحة وغير ذلك».

انخفاض حاد في منسوب مياه نهر الفرات بالناصرية فبراير 2023 (أ.ف.ب)
انخفاض حاد في منسوب مياه نهر الفرات بالناصرية فبراير 2023 (أ.ف.ب)

نماذج دولية ناجحة

ويفتح الخبير باباً أمام إمكانية الاستعانة بالخبرات المحيطة في عدد من دول العالم التي يمكن الاقتداء بها من أجل التعاون لمواجهة أزمات المياه في المنطقة، ويقول سعد: «لدينا نموذج نهر السنغال في غرب أفريقيا، حيث نجد ثلاث دول تتقاسم المنافع بشكل شامل، حيث أنشأت تلك الدول وكالة تشغيل مشتركة للسدود ومحطات الطاقة وتقاسمت الكهرباء والمياه بالتساوي».

وفي القارة الآسيوية، هناك نموذج نهر الميكونغ في جنوب شرقي آسيا؛ فرغم النزاعات، نجحت اللجنة الخاصة بالنهر في فرض تقييمات بيئية إلزامية للسدود، وفقاً لسعد. وأخيراً نهر الراين، حيث خرج اتفاق «راين الأكوا» ليجمع 6 دول من أجل تخفيض التلوث وتحسين جودة المياه حتى وصلت مياه النهر إلى مستوى صالح للسباحة وصيد السمك.

ويختتم خبير التنمية المستدامة والتغير المناخي حديثه بأن خريطة الطريق ليست مجرد خطة تقنية فحسب، بل هي خطة إنقاذ حضاري لأنهار تمكّنت من تشكيل هوية وثقافة وشعوب المنطقة. والحل الناجح يجب أن يجمع بين إدارة رشيدة، وتعاون إقليمي، وحلول طبيعية، وتكنولوجيا حديثة، ضمن رؤية تعطي الأولوية للإنسان والمجتمع والاقتصاد الأخضر.

أنهار أخرى طالها الجفاف:

نهر العاصي (سوريا)

وفي سوريا، تشهد مناطق حوض نهر العاصي في وسط سوريا تراجعاً كبيراً في الموارد المائية مؤخراً نتيجة انخفاض الأمطار وارتفاع درجات الحرارة. وأشارت تقارير وزارة الموارد المائية السورية وهيئة الأرصاد السورية منذ عام 2021 إلى انخفاض تدفق الينابيع المغذية للنهر وتراجع منسوب المياه في بحيرة وسد الرستن إلى مستويات متدنية خلال مواسم الجفاف.

ويبلغ الطول الإجمالي لنهر العاصي نحو 571 كلم، منها نحو 525 كلم داخل سوريا، وفق بيانات وزارة الموارد المائية السورية. وينبع النهر من سهل البقاع في لبنان لمسافة نحو 46 كلم قبل دخوله الأراضي السورية، حيث يتجه شمالاً نحو بحيرة قطينة ثم يعبر محافظات حمص وحماة وإدلب قبل دخوله الأراضي التركية في لواء إسكندرون، ليصب في خليج السويدية على البحر المتوسط.

نهر بردى (سوريا)

ينبع نهر بردى الذي يشق مجراه في دمشق من بحيرة بردى الواقعة في سهل الزبداني على بُعد 30 كيلومتراً شمال غربي العاصمة، ويرفده نبع «عين الفيجة» على مشارف المدينة.

وشهد نهر بردى خلال السنوات الأخيرة انخفاضاً حاداً في تدفقه، ووصل في بعض السنوات إلى جفاف شبه كامل في عدة مقاطع خلال الصيف، نتيجة تراجع الهطولات المطرية والثلجية على جبال القلمون، حسب وزارة الموارد المائية السورية وتقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) حول الجفاف في سوريا. وأشار تقرير لتلفزيون سوريا إلى أن ما يزيد من مشكلة التلوث في نهر بردي هو انخفاض منسوب غزارة النهر بسبب شح الأمطار.

مظاهر الجفاف والتلوث في فرع نهر بردى (تلفزيون سوريا)
مظاهر الجفاف والتلوث في فرع نهر بردى 

وفي عام 2023، أصدرت منظمة «وورلد ويزر أتريبيوشن» دراسة علمية عن موجة الجفاف التي ضربت سوريا والعراق، خلصت إلى أن تغيّر المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية زاد احتمال وشدة الجفاف بأكثر من عشرة أضعاف. وأشارت الدراسة إلى أن موجات الجفاف المتلاحقة أثرت على أكثر من 12 مليون شخص في سوريا من حيث قدرة الحصول على مياه الريّ والشرب، وأنها قوّضت مكاسب التنمية خلال مرحلة التعافي بعد النزاع.

وقال محمد طربوش، المدير العام للسدود في سوريا، في تصريح سابق لـ«الشرق الأوسط»، إن الوارد المائي لـ«سد تشرين» شرق نهر الفرات انخفض إلى ربع الكمية؛ واتهم تركيا بأنها تتحكم بمنسوب وارد المياه وتحاصر المنطقة مائياً، مضيفاً أن «الكارثة تهدد حياة 4 ملايين نسمة».

حوض نهر الأردن

يُعدّ وادي الأردن جزءاً من حوض نهر الأردن المشترك، ورغم أهميته المائية فإن التدفق داخل الحدود الأردنية ليس دائماً. وتشير الخطة الوطنية للمياه 2023-2040 إلى تراجع حاد في تدفقات المجرى الجنوبي خلال العقد الأخير، وصولاً إلى جفاف شبه كامل في بعض السنوات نتيجة انخفاض الواردات المائية من أعلى الحوض والاستخدام المكثف في الدول المشاطئة.

وتوضح «إسكوا» في تقريرها لعام 2021 أن تدفقات نهر الأردن باتت أقل من 10 في المائة من مستواها الطبيعي التاريخي، وهو ما يفسّر فترات الجفاف المتكررة داخل الأردن.

في السياق، قال الأمين العام لسلطة وادي الأردن هشام الحيصة، إن مخزون السدود بلغ هذا الصيف «الخطوط الحمراء»، مؤكداً في تصريحات لوسائل إعلام أردنية في أغسطس (آب) الماضي وضع خطة طوارئ لتأمين احتياجات الشرب والزراعة بعد موسم مطري لم يتجاوز 35 في المائة من معدله. وأفاد رئيس جمعية التمور التعاونية، رائد الصعايدة، بأن بعض المزارعين خسروا نحو 30 في المائة من محاصيلهم بسبب تقليص ضخ المياه.

تفاقم الأزمة في إيران

تشهد إيران، بما في ذلك العاصمة طهران، تفاقماً حاداً في أزمة الجفاف خلال الأعوام الأخيرة، في ظل تراجع ملحوظ في مخزون السدود وازدياد الضغوط المائية، وفق تقارير رسمية. وأفادت بيانات «الشركة الإيرانية لإدارة الموارد المائية» بأن مستويات المياه في السدود الرئيسية تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية نتيجة انخفاض الهطول المطري وازدياد الاستهلاك. كما أكد تقرير سابق لوكالة «رويترز» استمرار أزمة الجفاف في البلاد وتراجع المياه خلف السدود في عدة محافظات.

صورة لنهر شبه جاف في منطقة لواسان شمال طهران (إ.ب.أ)
صورة لنهر شبه جاف في منطقة لواسان شمال طهران (إ.ب.أ)

وأظهر تقرير حديث صادر عن منظمة «وورلد ويزر أتريبيوشن» أن التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية، إلى جانب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، زاد من شدة موجة الجفاف التي امتدت خمس سنوات في إيران وفي حوض نهري دجلة والفرات. وأشار التقرير إلى أن هذه العوامل أسهمت في تفاقم ندرة المياه وارتفاع مستوى التعرض للمخاطر المائية.

تواجه طهران أزمة مياه حادة تهدد سكانها البالغ عددهم 15 مليون نسمة، إلى درجة أن نقل العاصمة طُرح أخيراً كحل طارئ، وفق تصريحات للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. وجاءت الهطولات المطرية الأخيرة في إيران لتخفف من وطأة أزمة شح المياه التي تشمل في الواقع أكثر من 20 محافظة من محافظات إيران الـ31.

عن جريدة الشرق الأوسط



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=132&id=203843

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc