سيرياستيبس :
على رغم أن زيادة الطلب تعود إلى الحاجات الهائلة للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تحديث شبكات الكهرباء في ظل التحول في مجال الطاقة، وأيضاً حاجات الصناعات الدفاعية وغيرها، فإن قدراً من الضغط على الأسعار نحو الارتفاع يعود إلى تخزين النحاس بكميات كبيرة، خصوصاً في الولايات المتحدة، تحسباً لنقص المعروض.
تواصل أسعار النحاس في بورصات المعادن حول العالم الارتفاع، مع زيادة الطلب على المعدن الأحمر في ظل عدم كفاية الإنتاج.
وعلى رغم أن زيادة الطلب تعود إلى الحاجات الهائلة للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تحديث شبكات الكهرباء في ظل التحول في مجال الطاقة، وأيضاً حاجات الصناعات الدفاعية وغيرها، فإن قدراً من الضغط على الأسعار نحو الارتفاع يعود إلى تخزين النحاس بكميات كبيرة، خصوصاً في الولايات المتحدة، تحسباً لنقص المعروض.
في المؤتمر السنوي لرابطة المعادن المهمة مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري، حذر محلل شؤون المعادن في وكالة الطاقة الدولية شوبهان ذير من أن المعدن الأحمر قد يكون في أزمة خلال العقد المقبل، وأن يصبح أكثر حلقات سلاسل الإمداد العالمية عرضة للأخطار.
وقدّرت الوكالة نقصاً في المعروض من النحاس بنحو الثُلث في السنوات المقبلة.
ويضيف تقرير لشبكة "سي أن بي سي" الأميركية أن من أسباب الاختناق في سوق النحاس مخاوف الرسوم الجمركية الأميركية.
ونقلت الشبكة عن محللة المعادن في شركة "ستون إكس" ناتالي سكوت غراي قولها "يعود قدر كبير من ضغط السوق إلى المخاوف في شأن التعريفة الجمركية الأميركية وتأثيرها في كميات النحاس المكرّر التي تصل إلى الولايات المتحدة".
وذلك على رغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب استثنى واردات النحاس النقي من التعريفة الجمركية بنسبة 50 في المئة التي فرضها في أغسطس (آب)2025، إلا أن الموقف من واردات النحاس يظل ضبابياً، ومن المتوقع مراجعة التعريفة الجمركية عليه في يونيو (حزيران) المقبل.
الأسعار والمخزونات
بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي، ارتفعت أسعار النحاس في بورصة "كومكس" للمعادن في أميركا إلى ما يفوق 11 ألفاً و800 دولار للطن.
وإذا قورن ذلك بأسعار المعدن الأحمر قبل عام، التي كانت عند نحو 8 آلاف دولار للطن، يتضح حجم الزيادة في الأسعار نتيجة تنامي الطلب مع محدودية العرض.
وبحسب محللين في "سيتي بنك"، شهدت أسعار النحاس قفزات متتالية في الأشهر القليلة الأخيرة، ووصلت نسبة الزيادة هذا العام إلى أكثر من 36 في المئة.
ولأن الأسعار في بورصة لندن للمعادن أقل من تلك في بورصة "كومكس"، فإن التجار يفضلون شحن المعدن الأحمر إلى أميركا.
فبينما كان سعر الطن الأسبوع الماضي عند 11 ألفاً و515 دولاراً في بورصة لندن للمعادن، كان السعر في بورصة "كومكس" الأميركية عند 11 ألفاً و814 دولاراً للطن.
لذلك زادت الواردات الأميركية من النحاس هذا العام إلى 650 ألف طن، مما جعل مخزونات المعدن الأحمر الأميركية تقفز إلى مستوى غير مسبوق عند 750 ألف طن.
وتشير البيانات الصادرة عن بورصة لندن للمعادن الأسبوع الماضي إلى أن مخزونات النحاس في البورصة بلغت 165 ألف طن، منها 66 ألفاً و650 طناً، أي نسبة 40 في المئة من المخزونات، معدة للتسليم.
وفي مذكرة للعملاء، رفع بنك "مورغان ستانلي" الاستثماري تقديراته لنمو أسعار النحاس العام المقبل 2026 بعد القفزات السعرية التي حققها هذا العام. وأرجع ذلك إلى زيادة الطلب لأنظمة تخزين الطاقة، والزيادة في مراكز البيانات الكبرى التي تخدم الذكاء الاصطناعي.
وفي ظل معدلات الإنتاج الحالية، توقع البنك نقصاً في المعروض هذا العام بنحو 590 ألف طن، وإذا استمرت الأوضاع الحالية، فقد ترتفع الأسعار إلى ما فوق 12 ألف دولار للطن العام المقبل.
وتوقعت شركة "ماكواير" أن يصل الطلب على النحاس هذا العام إلى 27 مليون طن، بزيادة بنسبة 2.4 في المئة عن العام الماضي 2024، وتُقدّر زيادة الطلب المتوقعة في الصين بنسبة 3.7 في المئة، أما خارج الصين فبنسبة ثلاثة في المئة.
العرض والطلب
وتميل معادلة العرض والطلب نحو الطلب، بما يدفع أسعار النحاس إلى استمرار الارتفاع، ويتركز الطلب في زيادة حاجات الذكاء الاصطناعي، وشبكات الكهرباء، وصناعات الطاقة المتجددة، كتوربينات الرياح والطاقة للسيارات الكهربائية وغيرها، إضافة إلى الإقبال على تخزين النحاس بكميات كبيرة، خصوصاً في الولايات المتحدة، تحسباً لأي تعديل في سياسات التعريفة الجمركية.
أما جانب العرض فيواجه عدة مشكلات تجعل من النحاس أكثر المعادن المهمة التي يصعب على العالم إنتاج ما يكفي منها لتلبية الطلب المتزايد. وتشير بيانات من "دويتشه بنك" إلى أن إنتاج النحاس العام المقبل 2026 قد ينخفض بمقدار 300 ألف طن.
وخفض عملاق التعدين "غلينكور" تقديراته للإنتاج العام المقبل إلى 810 آلاف طن، نتيجة تراجع الإنتاج من منجم "كولا هواسي" في تشيلي الذي تملكه مع شركة "أنغلو أميركان".
كذلك تتوقع شركة التعدين "ريو تينتو" أن ينخفض إنتاجها العام المقبل إلى 800 ألف طن، مقارنة مع 860 ألف طن هذا العام، بحسب بيانات نقلتها وكالة "رويترز"
وفي مؤتمر المعادن مطلع هذا الشهر، عدّد محللو المعادن في وكالة الطاقة الدولية الأسباب وراء النقص في المعروض من النحاس على مدى الأعوام المقبلة، ليس فقط بسبب الزيادة الهائلة في الطلب، وإنما أيضاً بسبب معوقات زيادة الإنتاج. فعلى عكس الليثيوم، الذي يشهد زيادة في المعروض من مناطق جغرافية مختلفة من زيمبابوي إلى الأرجنتين، هناك مشكلات بنيوية تعوق زيادة سعة إنتاج النحاس ويصعب التغلب عليها.
وقال شوبهان ذير "النحاس هو فعلاً ما يعترينا القلق في شأنه.. فهو معدن يصعب زيادة إنتاجه بسرعة. لذا نحن قلقون بصورة خاصة، وأود الإشارة إلى أن هذه إحدى المشكلات العالمية المقبلة".
فأغلب مناجم النحاس العاملة قديمة، ويعود عمر بعضها إلى نحو قرن، وبالتالي فقد بدأ إنتاجها في التراجع بسبب القِدم والزمن، وأن معدلات الاستكشاف والتعدين من مناجم جديدة منخفضة للغاية. ورغم الزيادة الكبيرة في الطلب أخيراً، فإن معدلات الاستثمار في تعدين النحاس تنمو بصورة بطيئة جداً، يكاد يكون منعدماً أحياناً.
مشكل الإنتاج
من المشكلات التي تواجه زيادة إنتاج النحاس، وربما غيره من المعادن المهمة أيضاً، تراجع الاستثمارات في التعدين عامة، أو عدم زيادتها في الأقل لمواجهة الطلب المرتفع، إذ لا يزيد معدل نموها على خمسة في المئة في أفضل الأحوال.
يُضاف إلى ذلك تركز سلاسل الإمداد والتوريد لأغلب المعادن المهمة، بما فيها النحاس، في حلقة واحدة.
وهذا ما يقف وراء تكديس المخزونات من المعدن الأحمر، وسحب الولايات المتحدة النحاس من الأسواق العالمية وتخزينه تحسباً لنقص المعروض.
ومما يزيد من أزمة النحاس المتوقعة الهيمنة الصينية الطاغية على سلاسل الإمداد والتوريد للمعادن، بما فيها المعدن الأحمر، وليس فقط معادن الأرض النادرة. فبحسب قائمة وكالة الطاقة الدولية التي تضم 20 من المعادن الاستراتيجية، تحتل الصين المرتبة الأولى في تنقية وتشغيل 19 منها. والاستثناء الوحيد هو إندونيسيا في مجال تنقية وتكرير النيكل، لكن حتى ذلك الاستثناء ليس كاملاً، إذ إن أغلب الشركات العاملة في هذا المجال في إندونيسيا شركات صينية.
ومن أسباب استمرار تركز تنقية وتكرير المعادن أن جهود "تنويع" سلاسل التوريد والإمداد لا تحقق نتائج ملموسة، وبحسب وكالة الطاقة الدولية، تظل الكلفة على المنتجين الجدد أعلى بنسبة 50 في المئة في الأقل مقارنة بالمنتجين الحاليين، وبالتالي تبقى وعود الحكومات بمزيد من الاستثمار في التعدين في نطاق الوعود.
لذلك يتوقع محللون أن يبدأ النقص في معروض النحاس مقابل الطلب بالظهور من هذا العام، وأن يتزايد العام القادم 2026، إذ تقدر "وود ماكينزي" نقصاً في النحاس هذا العام بنحو 304 آلاف طن. وبالطبع، ومع اختلال معادلة العرض والطلب، أخذت أسعار المعدن الأحمر في الارتفاع ووصلت إلى قفزات غير مسبوقة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
اندبندنت عربية