بقلم آرا سوفاليان
كان يحمل كيس الخبز الكندي بيده اليمنى ومفاتيح السيارة بيده اليسرى ويقف في مواجهتي على الرصيف وأنا أحمل سمسونايت صغيرة فيها مواد الزرع وبعد مراسم التقبيل نظر في عيناي مبتسماً وجرت المحاورة التالية:
ـ سيد آرا هل تعلم تاريخ آخر مرة دخلت فيها إلى عيادتي؟
ـ لا يا سيدي لم أعد أذكر
ـ خمسة عشر سنة
ـ هل التاريخ مسجل في دفاترك؟
ـ لا ولكن في ذلك اليوم جاءت الموافقة على القرض العقاري وتقررت مسألة شراء البيت الذي نسكنه الآن وقلت وقتها أن وجهك خير علينا... واليوم صباحاً كنت أسدد آخر قسط في المصرف العقاري وبالتالي فلقد مضت فترة خمسة عشر سنة كلمح البصر، لم نعد نراك فيها إلاَّ مصادفة في الطريق أو في المؤتمرات.
ـ في الواقع لقد اعتمدت على الزرع وتركت مسألة التوزيع... وأنت غير مهتم بالزرع أليس كذلك؟
ـ لا يا سيدي فأنت لا زلت تؤمّن مستلزمات عيادة فلان وفلان وفلان من كل شيء وهم مثلي لا يباشرون الزرع... هناك سبب آخر لا أعرفه... في كل الأحوال أتمنى لك التوفيق معنا أو بدوننا والشهادة لله أنك كنت محترماً ولا زلت.
ـ شكراً يا سيدي ... إلى اللقاء.
وهذا كله في إطار المجاملة والدماثة ... أما الحقيقة فهي شيء آخر... وهي كل ما سيرد لاحقاً.... بالإضافة إلى القشة التي كسرت ظهر البعير!
ربما كانت الظروف (ظروف شراء البيت) هي السبب ولكن كان يتم الاعتذار عن الدفع كل تسعة من أصل عشر زيارات ولأن المواد التي كنت أقدمها هي مواد غالية وأرباح المواد الغالية رخيصة فلقد كانت العملية بمجملها خسارة بخسارة وهذا أولاً ... وكانت تتم محاولات الإغراق بمعنى تكبير الحساب عن طريق طلب مواد جديدة دون دفع قيمة المواد القديمة ويتم ذلك بلسان معسول وقدرة هائلة على التأثير وهذا ثانياً.
وأيديولوجية ( النق... والشكوى لغير الله مذلة) عند المطالبة وهذا ثالثاً.
فتقرر قطع البضاعة و تكثيف الزيارات والقبول بأي دفعة حتى ولو كانت فرنكات وصعود الدرج ونزول الدرج (وجئنا للإطمئنان على صحتك وجئنا بسبب إزدياد شوقنا إليك وجئنا محروجين بمبلغ وجئنا مجروحين بمبلغ وجئنا ويا ريتنا ما جئنا) ... وتقلصَّ الرقم وصغر إلى أن كانت آخر زيارة تم فيها قسم ظهر البعير.
كان هناك شاب يافع على الكرسي عندما فتحت السامسونيات لأبحث للطبيب عن سنبلة كوميت كاربايد كروية نقطية ... وعندما وجدتها ... سحبها من يدي مسرعا وأخرجها من البلاك الأزرق الأنيق ً ووضعها في القبضة التوربينية وباشر بثقب كل الأسنان السفلية الأمامية للمريض ( لساني... من جهة اللسان بالنسبة للقارئ العادي) مخترقاً الحجرة اللبية لكل سن ... وكان التخدير سيئاً لأنه لم يعد يحظى بالمخدر الذي يحضره آرا سوفاليان مما اضطره لشراء مخدر نخب عاشر ومنتهي الصلاحية من السوق ... قلت له: ماذا تفعل بحق السماء ، قال لي: بعد ثلاثون سنة من ممارسة المهنة يأتي هذا الشاب ليعقدني... قلت له: لماذا ... ماذا فعل؟؟؟ قال لي: يشكو من حساسية عالية في الفك السفلي الأسنان الأمامية من الضاحك إلى الضاحك بلا استثناء ... وبالتالي فإن آخر العلاج هو الكيّ.
قلت له : هل جربت مواد إزالة التحسس التي أحملها ... قال لي : غالية جداً وغير ذات قيمة علاجية فهي ضحك على الذقون (جلا جلا بالجيم المصرية) ووسيلة ناجحة لسرقة الطبيب والمريض.
وخرجت من عيادته وأنا أدرك حجم الكارثة التي ستحدث تباعا ولديَّ شعور الاشتراك بالجريمةً ... وخسرت ثمن السنبلة الكوميت الكاربايد وخسرت آخر دفعة كان يجب أن يؤديها لي ... وربحت إنهاء التعامل مع مجرم.
Ara Souvalian
ara@scs-net.org
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=160&id=256