وجوه جديدة في محل بيع الأجبان والألبان الذي يبعد عنا تقطيعة شارع ... ذهبت لشراء نوع محدد من الزعتر يحبه الأولاد وهو في أكياس مختومة نصف الكيس مليء بالزعتر والنصف الثاني مليء بحبات السمسم المحمصة والكبيرة الحجم.
على البسطة وفي داخل المحل حدثت فوضى هائلة لم تكن موجودة من قبل، فلقد اختلطت المعروضات التي كانت تغرق في فوضى مذهلة، مستوعب للزيتون الأسود المعطن وآخر للجلطّ ومثله للأخضر الحبة الصغيرة والأخضر الحبة الكبيرة وذاك المسمى الساحلي وفيه أوراق الزعتر الذابلة، والأخضر المنزوع النوى، وذاك المحشي بالجزر والذي يسبح في المرقة الحمراء المنتشرة على أسطح المعروضات وكأنها مرشوشة هنا وهناك عن عمد، فهناك صينية من الكرتون محمولة على صينية أخرى من البلاستيك وفي الوسط قالب ضخم من الحلاوة الطحينية المزينة بمبروش الفستق الحلبي والغارقة بزيت السيرج الذي لم ينج هو الآخر من بقع الزيت الحمراء العائدة للزيتون المحشي بالجزر، وفي الوسط وفي متناول اليد قالب مدهش من الجبنة الناعمة المغطاة بأشكال هندسية مثلثية بارعة من حبة البركة السوداء والسمسم، لم تنج هي الأخرى من الرشم بالماء الأحمر حيث يبدوا انه تم مباركة البسطة بهذا السائل المبارك، الذي تحول لخط جغرافي يماثل ذاك المتعلق بترسيم الحدود!
وفي أقصى اليسار وفي الناحية القريبة من الزبائن قالب جبنة صفراء طرية تكاد تكون سائحة تباع بالكيلو وفي الناحية القريبة للبائع هناك جاط من الستانلس يحوي معروضين، كرات الأريشة الحمراء الى اليمين وكرات الأريشة الخضراء الى جهة اليسار ولم تكن هناك حاجة للمعاينة عن قرب فلقد كانت الأريشة مغطاة بغطاء أبيض، ليس من الحرير ولا من القطن ولا من الشاش الصناعي ولا من الورق لقد كان غطاء أبيض من البنسلين، لا بد أنه سيكون المواد الأولية المتعلقة بقالب الجبنة الناعمة المخصص ليوم الغد مع الفضلات المتبقية في جاطات الزجاج المصفوفة تحت الزجاج المنحني في القسم الثاني الداخلي من البسطة والمدعو بالبرّاد المكشوف وهذا لا يحوي إلاَّ الجبنة البيضاء بأنواعها البلدية الحلوة المسماة بالخضراء غنم ومثلها بقر والعكاوية وعكا في متناول قلوبنا ويد غيرنا!!! والمشللة غنم والمشللة بقر والحلوم على نفس الشاكلة بقر وغنم والدرعاوية ، البعض يفوش فوق المياه المالحة والبعض الأخر يغوص الى السفل حيث لا بد من مد اليد لإلتقاط بعضه... أما الروائح المنبعثة فلقد كانت لا تطاق!
سألت الشاب أين اصحاب المحل فأجابني لقد اشتريناه من أصحابه القدامى ونحن من يستثمره الآن، وقرب من وجهي سكين ذات نصل عريض وقبضة سوداء عليها تباشيم نحاسية وفي المقدمة تتموضع قطعة من الحلاوة يريد أن ألتقطها بفمي وألوكها لأقول له مبروك المحل، ولكني لم أكترث فقال لي: حللي درسك جار... قلت له : أسناني تؤلمني ولا أستطيع أكل الحلاوة.
وأعاد قطعة الحلاوة الى القالب ولكن السكين الضخمة فقدت توازنها فوقعت عن القالب وتابعت طريقها حسب مبادئ نيوتن فوصلت الى الأرض وأعادها المستثمر الجديد الى مكانها بدون اكتراث، كنت الزبون الأخير فلقد كان هناك قبلي ثلاث رجال وامرأة وطفل.
نظرت أمامي فرأيت علب من السردين مشلوحة بشكل فوضوي وملوثة بالزيت المتغلغل في الغبار الذي يكسوها، ونظرت الى الأعلى فرايت قاعدة المكييف التي كانت تحمل القطعة الثانية متموضعة بجفاء، وحيدة بدون قطعة ثانية ولا ثالثة... فسألت الرجل: أين المكييف فأجابني قائلاً: (الله لا يباركلون بكل قرش أخدوه مننا، فحتى المكييف وكيلك الله كان متآمر معهن... اشتغل يومين واحترق)
والتقط صاحبنا كيس من النايلون بيده المكرنشة التي ضاعت معالمها بسبب غطسها المستمر بالماء والملح، وفتحه بطريقة عصبية استعراضية يراد افهامنا فيها بأنه متضرر من شراء هذا المحل بموجوداته أبلغ الضرر، ونقله الى يده اليسرى، وغاصت يده اليمنى في جاط قريب واستخرج قطعة جبن مكعبة ورماها بسرعة البرق في الكيس حتى لا يخسر نقطة ماء واحدة عليه أن يبيعها مع الوزنة بسعر 180 ليرة سورية للكيلو الواحد مع الملح المضاف والكيس، فصرخت المرأة: لا لا ليس من هذه... أريد من تلك التي فيها حبة البركة... فمدَّ الرجل يده من جديد والتقط قطعة الجبن وأعادها ولكن الى المكان الخطأ... فقلت له: هذه مكانها هنا وانت وضعتها هنا... فأعادها الى المكان الذي أخذها منه... ونظرت الى الكيس فلقد بقيت فيه كمية لا بأس بها من الماء المملح سيضاف اليها كمية جديدة بعد تبديل نوع الجبنة... وانهمك صاحبنا في عمله، فسألته المرأة ببراءة هذه لا تحتاج الى غلي أليس كذلك؟
فوقف صاحبنا ونفخ صدره ورسم على وجهه رسمة تفيد بأنه سيد النصح وسيد الفهم وسيد الأرشاد والمعلم الأكبر وقال:
ـ المشللة والحلوم والعكاوية هذه لا تحتاج للغلي والباقي كله يحتاج للغلي، أنظري الى حبة البركة هذه اليست متغلغلة في القالب ؟
ـ قالت نعم وعند تقطيع الجبنة نجد حبات بركة أخرى غائرة
ـ قال لها: حبات البركة هذه نضيفها نحن عند الغلي وبالنتيجة فهذه الجبنة مغلية ولا تحتاج الى الغلي.
وتابع الرجل عمله والماء يزرب من يديه ويصيب كل مكان فيه جبن ويدخل يده من هنا ويخرجها من هناك
ونفذ صبري فقلت للسيدة: يا سيدتي كل الجبن الموجود أمام ناظريك يحتاج للغلي وأنصحك بالغلي وبشكل جيد فهذا أسلم، ولا يستثنى من ذلك اللبنة بنوعيها الجبلية الحامضة حيث الكيلو بـ 150 كما هو مكتوب هنا وهي بالمناسبة (محمّضة وليست حامضة)،والرخوة أيضاً حيث الكيلو بـ 130 وهي مصفاة بدرجة أقل وتشابه شقيقتها الجبلية التي لا تعرف الجبال بل السهول وفي ضواحي دمشق وبساتينها التي لم يعد يصلها قطرة واحدة من مياه بردى.
فقطع النطاسي البارع عمله ورماني بنظرة اختزل بها كل الدهشة وعلامات الاستفهام والتعجب الموجودة على وجوه وفي كتب ومطابع وكيبوردات سكان الكرة الأرضية منذ آدم وحواء والى اليوم وقال: جار حضرتك شو بتشتغل ؟؟؟ قلت له: تاجر غنم... قال: جار بلا مزح شو بتشتغل قلت له: (عمـ دوِّر على شغل).
قال: (يعني رحـ زكّرك بنصيحتين بتعرفهون منيح وهنن: عطي الخباز خبزو ولو أكل نصو... ويللي بيتـ دخـ خل بـ شي ما بيعنيه بيلائي شي ما بيرضيه،هاي شغلتنا ومنعرفها منيح كتير نحنا خلئنا وعنا حئلة وبايكة وبقر وحليب وجبن ولبنة ولبن، فـ طوِّل بالك علينا الله يخليك)
ـ قلت له: ( بضاعة مكشوفة طول الليل وقذارة وحضارة، وكيس طالع وكيس نازل وزرزبة ماء وتطريش على أبو جنب علـ جبنة وعلـ لبنة ونقل ماء الجبنة من الجاط اليمين إلى اليسار وإعادة مكعب الجبنة الى مكان آخر ويد مكرنشة تغور الى الأعماق وتستخرج حبَّات اللولو ورائحة قذارة تعمي العين ودكان وسخة وبلاط مو معروف لونه وحلاوة عليها مرئة زيتون أحمر وجبنة ناعمة الله وأعلم من شو مساواية وطابات أريشة عليها بنسلين ... وجبنة ما بدها غليّ!!! وعطي الخباز خبزو!!!...و بيلائي شي ما بيرضيه... الله لا يباركلك، يعني اجاكان أخدنا عيِّنة من المرئة يللي على ايديك الطاهرين على المخبر فـ رح منلائي فيها مليار ترليون جرثومة ومكروبة وفيروسة ومكورة عقدية وانتانية ولك يبعت حمى للمالطية تبع ابوك من هون للحئلة ورجعة والله يلعن يللي بقى يفوت محلـ لك).
وخرجت وأغلقت الباب بعزم وقلت له: حتى ما روحـ لك البرودات... وكان يشتم من خلف البللور ... وقلت له: ما بدها غلي... والله انت بدك غلي ... ومحلـ لك وكل بضاعتك.
تذكرت صديق لي شعاره (طنش تعش) ... وبلغ مدى لا يرقى اليه في التطنيش إلى أن هزل جسمه وأصفر لونه وتحوَّل الى شبح وترك السيجارة ولم يترك عيادة تعتب عليه ولم يعد يستطيع الصعود الى منزله ليتبين فيما بعد وبمحض الصدفة بأنه مصاب بالحمى المالطية وليس بالسرطان فلعن مالطا ويالطا خاصة وأنه دفع ما فوقه وما تحته و كتب المحل والبيت بإسم زوجته خوفاً من أن يرثه من لا يستاهل أن يرثه كما قال لي، ومن أن يدفع ورثته للدولة ضريبة تركات، فتبين أن سيدنا عزرائيل في الهند وليس في الشام.
الحل:
اشتكت بلد من بلاد الله الواسعة من كثرة حوادث سرقة السيارات وكان الحل فرض التأمين الإلزامي ونجح المشروع أي نجاح وتوقفت السرقات والسبب معروف وهو عقود المشاركة ما بين اللصوص و شركات التأمين تحت شريعة (قاسم النصف) فكانت مسؤولية شركات التأمين تتجلى في تقديم هذا النصف إلى اللصوص، ومسؤولية اللصوص تتجلى في وقف السرقات لا بل المعاونة على اكتشاف منفذيها، ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن التأمين الصحي هو الحل... لأن شركات التأمين ستجد نفسها في مواجهة سيل من نفقات العلاج مما سيؤدي الى تحركها، فتتحول دوريات التموين والصحة والرقابة التي أتحفتنا ومنذ الاستقلال وحتى اللحظة الحالية أتحفتنا بشتى صنوف الاحتيال والنصب وتحليل الحرام وتحريم الحلال والالتفاف على القانون وعلى الجيوب وحصدت المليارات من الرشاوى عن طريق غضّ الطرف وفرض الأتاوات والمخالفات لمن يستحق ولمن لا يستحق ضمن شريعة العقوبات الجماعية وشريعة الغاب وغياب القانون ( وروح شتكي لمين ما بدك) ستتحول هذه الدوريات الى دوريات فاعلة بعد أن يخضع عناصرها لفلترة حيتان القطاع الخاص هذه الحيتان التي تبتلع أسماك القرش برمشة عين، وهي نفس أسماك القرش التي كانت تبتلع الدوائر والمصالح والمدراء والوزراء وتجبرهم كأشخاص على أن يطيروا معها في نفس السرب متحملين فيما بعد كف اليد بعد التكويش على مبلغ معتبر...هناك الكثير من المحلات على نفس الشاكلة وتستاهل زيت كاز وكبريت كما تقول حماتي بعد ختمها بالشمع الأحمر... والفجوة تكبر ونحن بعيدين كل البعد عن الحضارة غارقين في مستنقع من القذارة والوهم... لدرجة أن مراسلة للبي بي سي تكتب عنا ما مفاده... في اسواقهم يعلقون الذبائح مكشوفة في واجهات محلات القصابين وفي الأسواق الشعبية وتأتي سيارات البلدية لترش السموم و دخان الدي دي تي في هذه الأسواق ولا يجدون حرجاً من بيع وشراء هذا اللحم المسمم وتناوله! أما رتل السيارات المتوقف على الإشارة فلا يمكنك الاقتراب منه لأنك ستصاب بالصمم بعد موجة الزمامير المنطلقة من هذه السيارات بعد فتح الإشارة بدون معرفة السبب!
ماذا فعلت الدولة إلى الآن وهل ستفعل وإن كانت ستفعل فأين وكيف ومتى لقد طالت فترة النوم في فيء شجرة طنش تعش وسبقتنا كل شعوب العالم... ألن يأتي اليوم الذي سنقف فيه مجاهرين مع مراسلة البي بي سي ونصرخ عالياً (لقد عرفنا السبب) يجب أن نعرف السبب ونبدأ بالحل لنزيح كابوس الجهل والتخلف... انظروا الى أين وصلت الصين بعد أن كانت وشعبها حتى أواسط الأربعينات تغرق في بحر من الكوكائين والإدمان...كيف وصلوا الآن إلى ما وصلوا اليه... لا تعرفون؟؟؟ حسناً...لقد عرفوا السبب؟؟؟
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=160&id=258