بماذا
يختلف قانون الأحوال الشخصية عن عدد كبير من القوانين التي تم إصدارها؟ وما سبب
الضجة الكبيرة التي رافقت ظهور مسودته الأولى؟ وهل نجحت الحملات الإعلامية في
الدفع نحو نسخة متطورة منه؟ أم أظهرت نواقص منظومة الإعلام السورية؟
قانون
الأحوال الشخصية من حيث الشكل:
لن نناقش
في هذا المقال مضمون قانون الأحوال السورية، إذ أننا نعتقد أن هذا الموضوع سابق
لأوانه، ولكن الطريقة التي تمت بها صياغة مسودة القانون قد لا تختلف عن الطريقة
التي تمت بها صياغة عدد كبير من القوانين في سوريا، ففي معظم الحالات يتم تناسي
أصحاب المصلحة، وتعهد عملية التطوير لمجموعة من الموظفين دون تحديد مبررات إصدار
قانون جديد، ودون وجود رؤية تحكم القانون الجديد، وهذا الأمر قد عهدناه في مرات
عديدة مثل قانون السير ومسودة قانون الإعلام وقانون التعليم الخاص، وغيرها من
القوانين التي هبطت فجأة على المواطن السوري والتي أدت لاهتزازات معظمها سلبي دون
أن يعلم المواطن لماذا طرحت تلك التعديلات، أو ما هي مساهمتها في عملية التطوير
والتحديث أو غير ذلك من الأسئلة، إلى درجة أصبح بعض المواطنين ينظر لعملية تعديل
القوانين كإجراء تجميلي لا يقارب جوهر المشكلات التي يعاني منها.
فيما يتعلق
بتعديل قانون الأحوال الشخصية، فنظن أن البداية لم تكن أكثر من تعامل بيروقراطي مع
قضية اعتقدها البعض مثل غيرها من القضايا، ولكن تبين أنها لم تكن كذلك، وذلك بسبب
حساسية بعض النقاط التي تم طرحها في التعديل، والتي أساءت لشرائح جماهيرية، مما
أدى لبدء حركة احتجاجية بدأت بمسؤولية، ونجحت حسب اعتقادنا في إيقاف تقدم مشروع
القانون، لكن الحركة الاحتجاجية قد تم اختطافها بدخول بعض الجهات التي حاولت
استغلال ما حصل وتضخيمه، بل ونقله من قضية نقاش لمسودة قانون، إلى حملة لإعادة
تشكيل المجتمع السوري بالطريقة التي يرغبونها هم، وبالتالي فقد ارتكبوا خطأً
مشابهاً لخطأ واضعي مسودة القانون، فالتغييرات المجتمعية لا تفرض بقوانين ولا
بالتهويل الإعلامي (في المجتمعات المتحضرة على الأقل)، ولكنها نتاج برامج تحول واسعة تهيء الأرضية المناسبة للتعديلات
التشريعية التي تأتي لتنظيم قناعات رسخت في المجتمع، ولاقت الاستحسان والتوافق من
قبل شرائح واسعة من أفراده، وهنا نعتقد أن القضية أخذت بعداً آخر لم يعد فيه القانون
المذكور سوى تفصيل تقني يبرز وجهات نظر مجتمعية متباينة، وسنبين في الفقرات
التالية ملاحظاتنا على ما حصل.
دور مؤسسات
المجتمع المدني:
نعتقد أن
مؤسسات المجتمع المدني لم تتمكن من التعامل مع هذه الحالة بشكل مسؤول، وربما دل
ذلك على عدم نضج تجربتها، وبالرغم من أنه يحق لهذه الجهات (من حيث المبدأ) أن تتناول أي موضوع إعلامياً
وعملياً بالشكل الذي تريد، فإن التصرف كجهة ناشطة تحاول إدخال تعديلات إيجابية على
مشروع قانون يجب أن يجعلها تضع إطاراً واضحاً لحركتها، فهي إما أن تحصر معركتها في
مسودة القانون وما يجب أو لا يجب أن يتضمنه، وبالتالي تتخذ موقفاً عقلانياً، أو أن
تضع التهكم على البنود الواردة في القانون كهدف بحد ذاته (ومعظمها كان كما هو في القانون السابق)، ومن ثم الانتقال تدريجياً من التهكم على تلك البنود إلى التهكم على
الأفكار التي بنيت عليها تلك البنود، وبالتالي أدخلت تلك الجهات نفسها في معركة
غير مبررة، ونتائجها تعاكس ما تحاول تلك الجهات أن تفعله، وفي مرحلة لاحقة، انتقلت
بمعركتها لمواجهة وسائل الإعلام التي لم تؤيدها في حملتها التي ضلت هدفها، واتهمت
تلك الوسائل بأنها «متواطئة»، ولا ندري إلى أين ستستمر تلك الحملة التي ضلت هدفها، والتي لم يعد
لها أي علاقة بالقانون المذكور وتعديله.
القصور
الإعلامي في سوريا:
لقد
تفاءلنا عندما بدأت الحملة ضد مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية، وازداد تفاؤلنا
مع ازدياد زخمها، وقد توقعنا أننا على أعتاب معركة إعلامية بين المؤيدين
والمعارضين لكل فكرة من الأفكار الواردة في مسودة القانون، كشأن كافة الدول
المتحضرة التي تطرح مثل هذه المشاريع للنقاش العام، ولكن للأسف فقد طال انتظارنا
طويلاً ولم نتمكن من قراءة مقالة واحدة تمثل وجهة النظر الأخرى، ومع الإمعان في
انحراف الحملة عن أهدافها، واستهدافها للأفكار والمعتقدات بدلاً من استهداف مسودة
القانون، كان من المنطقي أن تظهر مجموعة من الحملات السورية المضادة عبر (الفيس بوك)، ومنها ما كان متوازناً من
حيث تركيزه على انحراف الحملة عن أهدافها، ومنها ما ذهب أبعد من ذلك، وحشد
الجماهير لدعم القانون (على علاته)، ولكن مكمن الخطورة هو في أن معظم وسائل الإعلام السورية لم تتمكن
من إقامة جسر للحوار بين فريقين، ولم تتمكن حتى من عكس وجهات النظر المختلفة،
وبالتالي تبين عجز وسائل الإعلام عن القيام بواحدة من أهم أدوارها، وهي عكس النبض
الجماهيري بتنوعاته، وليس وجهة نظر بعض المجموعات الناشطة فقط. وهذا ربما يؤشر لخلل في
تركيبة الوسائل الإعلامية المحلية.
ماذا سيحصل
بعد الآن:
نعتقد أن
الأمور الآن مفتوحة على عدة احتمالات، فإما أن يمر القانون بتعديلات محدودة (وهو الأمر الغالب على
الطريقة السورية التي تقتصر على ترقيع الفجوات الكبيرة في المسودة الحالية)، أو أن يمر بتغييرات جذرية
كما تقترح بعض الجهات الناشطة (
وهذا الاحتمال ضعيف، كونه لايتمتع بأي تأييد شعبي، وكونه يضعف البنية
الاجتماعية بدلاً من تقويتها كما يعتقد البعض)، ولكن ما نتمنى أن يحدث (أي الاحتمال الثالث)
هو ما يحدث في كافة المجتمعات المتحضرة، أي أن يتم التركيز على
الرؤية وعلى التحول المجتمعي المطلوب، وأن يكون هناك حوار وطني فاعل وجدي يبلور
إستراتيجية تحول مجتمعية واضحة، يحترم فيها كل طرف أفكار ومعتقدات الطرف الآخر،
وبعد ذلك يصبح التعديل التشريعي (على شكل قانون أو مجموعة قوانين أو قوانين وتعليمات ) ليس أكثر من تفصيل تقني
لمجتمع متفاهم تدرك فيه كل مجموعة دورها وواجباتها وحدود حركتها وتحترم المجموعات
الأخرى التي تختلف معها، فالقوانين لم توضع لفرض القناعات والمبادئ والمعتقدات على
الأفراد، ولكن لتنظيم المساحات المشتركة بهدف تنميتها. لذلك نعتقد أن قضية بحجم التطوير المجتمعي المطروح تستحق أن تطرح
بجدية، فلا العمل عبر لجان يؤدي لنتيجة، ومثله التراشق الإعلامي والمزايدة
بالشعارات لا يؤد لنتيجة أيضاً، ووحده الحوار بين الجهات المختلفة هو الكفيل
بالوصول إلى التطوير المطلوب، بطريقة تحترم الدستور وتحترم المعتقدات والتوجهات
المختلفة، وتوازن بين اهتمامات كافة أطياف المجتمع.
م. محمود عنبر - ابيض واسود
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=160&id=259