جورج كدر
أوائل القرن الحالي كتب باترك سيل مقالا تحدث فيه عن الوضع الداخلي في سوري لاسيما تدهور أوضاع للشعب السوري الاقتصادية والاجتماعية.
اللافت في هذا المقال ما نقله عن الرئيس الراحل حافظ الأسد كرد على تردي تلك الأوضاع أنه لو كانت صحته تساعده لكان قام بمظاهرة ( يكون هو على رأسها) احتجاجا، لإسقاط حكومة الزعبي آنذاك، لأنها السبب في سوء الحالة التي وصل إليها السوريين بعد أكثر من عقد على سياسية خنق الاقتصاد الوطني التي اعتمدتها.
واليوم يؤكد الرئيس بشار الأسد في حديثه لمحطة بي بي سي البريطانية أن (المشكلة الأصعب التي يعاني منها الناس هي الوضع الاقتصادي.. نحن بلد فقير وليس غنياً.. وأينما ذهبت كمسؤول فإني التقي بالناس.. وأول شيء.. يتحدثون عنه هو الأجور والبطالة.. والمدارس.. والخدمات الطبية.. إنهم لا يمتلكون الأساسيات في بعض الأحيان وفي معظم المناطق).
إدراك واقع السوريين أمر مهم ويعكس مدى معايشة السلطة في سورية لهموم الناس ومشاكلهم، لكن المسؤول عن إيجاد الحلول من المأزق التي تمر بها البلاد وينعكس مباشرة على الشارع السوري الذي يعاني فيه القسم الأغلب من تدهور الأوضاع الاقتصادية في جو غائم من الضغوط الخارجية القاسية...هو الحكومة السورية بصفتها السلطة التنفيذية...
إجراءات كثيرة اتخذتها حكومات العطري المتعاقبة كان محورها إصلاحات في القطاع النقدي والمالي وتحرير للأسواق ...الخ، لكن نتيجتها كانت وبتأكيدات خبراء اقتصاديون (زيادة الأغنى غنى وفقر أكثر للأفقر) ما يعكس (تخبطا في الرؤية الإصلاحية الحقيقية التي تحتاجها البلاد) انطلاقا من أن (لكل مجتمع برنامجا إصلاحيا خاصا به يتناسب مع إمكانياته) ويكون بعيدا عن الوصفات الجاهزة التي تقدمها (الجهات الخارجية).
ليس إصلاحا بل بروباغاندا إعلامية
الباحث الاقتصادي سمير سعيفان يؤكد أن المشكلة الأساسية هو أنه لا يوجد مؤسسات ولا يوجد ثقافة اقتصاد السوق رغم تبنيه، ومما يزيد الأمر تعقيدا، بحسب سعيفان، هو أن القرار بتبني هذا النظام الاقتصادي اتخذ ضمن إطار ثقافة الاقتصاد الريعي القائمة والتي مبدؤها (اضرب واهرب).
يقرّ سعيفان أن المرحلة الأولى من الانتقال لاقتصاد السوق (ممكن أن يكون فيها الكثير من الظواهر السلبية) لكنه يؤكد من جهة أخرى أن تضخيم الإنجازات الحكومية بهذا الشكل القائم في وقت لا يجد الشعب أي انعكاس في تحسن مستواه المعيشي سيكون له تأثيرا سلبيا على شرائح المجتمع، منبها إلى أن البروباغاندا الإعلامية لا تصنع اقتصاد وبدون تنمية وبدون فرص عمل ودون زيادات حقيقة للأجور تنعكس على مستوى الناس المعيشي و لا تكون تغطية لغلاء الأسعار لن يكون هناك انتقال لاقتصاد السوق الذي هو في جوهره توسيع لقاعدة الملكية لإشراك أكبر عدد من الناس في العملية الاقتصادية بطرق متعددة منها الشركات المساهمة والجمعيات التعاونية ...إلخ.
يشير الباحث الاقتصادي إلى أن (الطريقة التي تعمل بها الحكومة لن تنجح في ضبط فعلي للسوق الذي يجب أن يمتثل للتوازن بشكل طبيعي في جو من المنافسة لا تزال غائبة عن ثقافة اقتصادنا).
يعرب سعيفان عن رأيه في ضعف الأداء الحكومي للسيطرة على فلتان الأسواق السورية وارتفاع الأسعار بشكل غير مقبول قائلا (بشكل فعلي لو كانت حرية التظاهر مسموحة لرأينا الناس في الشوارع تعترض على الارتفاع غير المقبول للأسعار) (الحكومة ضايعة بين حيص بيص..مؤسسات فاسدة تبتز السوق لابتزاز رجال الأعمال...) ويضيف( إصلاح بدون ماستر بلان واضح ودون دراسة المخاطر وكيفية معالجتها يكّون سوق بهذا الشكل) إذ (ليس من المعقول فتح السوق دون معرفة إلى أين نحن ذاهبون).
ينوه سعيفان إلى أنه (بدل تفكير الحكومة بعودة الكرباج للسيطرة على الأسواق)، عليها خلق وحماية ثقافة المنافسة لأنها (الشكل الوحيد لتخفيض الأسعار ) داعيا إلى( تشكيل فريق عمل يحدد ما هو المقصود باقتصاد السوق.. وجهة تكون مسؤولة عن الإصلاح في سورية) إذ لا يوجد إلى الآن برنامج للإصلاح ومؤسسة ترعاه حتى أن أحدا لا يعلم لحد الآن ما هو اقتصاد السوق.
رئيس الحكومة سأل ما هو اقتصاد السوق
لا بد من التذكير (بمذكرة) كان وجهها رئيس الحكومة محمد ناجي العطري، في النصف الأول من شهر تموز الماضي، إلى (نائبه للشؤون الاقتصادية د عبد الله الدردري ومن وزير المالية د محمد الحسين ومن وزير الاقتصاد د عامر لطفي) طالبهم فيها، بعد أن تم اتخاذ القرار السياسي باعتماد نظام اقتصاد السوق الاجتماعي وتمريره عبر أقل جرعة نقدية ممكنة وأقل ضجة إعلامية، عقد اجتماع مشترك وموافاته بمذكرة تفصيلية تتضمن الإطار العام لمفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي، آلية تطبيقه، محاور اولوياته إضافة إلى التصورات حول البرامج الزمنية لتنفيذه وتضمين المذكرة المقترحات والرؤية المستقبلية ليصار إلى عرضها على رئاسة الوزراء)، وقالت صحيفة شام برس الالكترونية التي نقلت الخبر حينها إن (رئيس مجلس الوزراء يسأل فريقه الاقتصادي: ما مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي وكيف يتم تطبيقه).
الغني ازداد غنى
الباحث الاقتصادي أيمن عبد النور كشف عن تقرير أعدته الحكومة السورية، في وقت سابق من العام الجاري، رفعته إلى الجهات العليا، محور التقرير يتحدث عن (الإنجازات التي حققتها).
يقول عبد النور (كان واضحا أن الأرقام التي قدمت في التقرير وطريقة عرض النتائج كانت مجافية للحقيقة، لأنه تم تقديمها وكأنها تحققت بشكل يُظهر الشطارة في استخدام تلك الأرقام أكثر مما يظهر الجانب العملي المطلوب تحقيقه من الحكومة.. حتى أن التقرير تحدث عن نسب إنجاز مرتفعة بينما لو قام باحث مختص مستقل بتقييم نتائج التقرير لو وجد أن نسب الإنجاز أقل من ذلك بكثير).
في تعليقه على أداء الحكومة السورية يرى عبد النور أن هناك (إجراءات جيدة وممتازة تم اتخاذها باتجاه تحرير الاقتصاد الذي لا مهرب منه)، لكنه لفت من جهة أخرى إلى أنها إجراءات (تصب في مصلحة الشريحة الأغنى في سورية ولا تأتي مترافقة مع إجراءات تساعد الشرائح الأقل دخلا والشرائح التي تم تصنيفها في قائمة الأكثر فقرا) الأمر الذي أدى، بحسب عبد النور، إلى مزيد ن الإفقار لها ومزيد من الضغوط على متوسطي الدخل في سورية.
اليد الخفية مشلولة
وكشف عبد النور عن صراع بين أعضاء في الفريق الاقتصادي واتحاد نقابات العمال يجري مؤخرا، على خلفية تحرك أعضاء من الفريق الاقتصادي في سورية للعمل على خصخصة القطاع العام الصناعي وسط اعتراض الاتحاد الذي كان تلقى وعود من رئيس الجمهورية في عدة مناسبات بعدم خصخصة هذا القطاع، ولفت عبد النور إلى أن الاتحاد يعمل بشكل جدي على تقديم ورقة تكون بديلة لاقتراحات الفريق الاقتصادي التي جاءت تحت عناوين وشعارات براقة.
ينوه الباحث الاقتصادي في تعليقه على عجز الحكومة عن ضبط السوق إن (تحرير الأسواق يتم عندما يكون هناك جملة من القواعد الأساسية موجودة أهمها (عدم وجود احتكار، إعلام اقتصادي قوي ومخول بكشف بؤر الفساد، عدم وجود رجال الأعمال فوق القانون) وبدون توفر تلك الآلية فإن (اليد الخفية التي تعطي للسوق توازنه ستكون مشلولة) وبالتالي (سيكون المستقبل سيئا)..
بشكل عام يرى عبد النور أن أداء الحكومة ليس مرضيا لشرائح المجتمع كافة، لكنه يدعو إلى عدم لوم أعضاء الحكومة كثير لأن حجم صلاحياتهم ليس كما يتصور البعض، هم دائما تحت ضغوط عالية وهوامش مرونة ضيقة، كما يقول عبد النور، لتعدد الجهات الوصائية
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=160&id=42