نشرت Syriasteps رسالتي الموجهة إلى السادة الوزراء بمناسبة مرور أربع سنوات على تشكيل الوزارة العطرية الأولى. مستذكراً فيها خمس رسائل نشرتها قبل إعلان اسم رئيس الوزراء و أسماء الوزراء .
و الآن أعيد نشرها تباعاً عسى تجد فيها الوزارة الحالية أو القادمة ما هو مفيد
المحامي: مأمون الطباع
رسالة مفتوحة (3) إلى سيادة رئيس مجلس الوزراء..... القادم .....الرسالة الثالثة
تحية الوطن و العروبة:
في الرسالتين "الأولى" و الثانية"، تحدثت إلى سيادتك عن مكتبك في رئاسة مجلس الوزراء، و كنت أعني فيما عرضته، بأن من مقدمات الإصلاح، أن تتمكن من تقييم الأداء الحالي لمجلس الوزراء، و المديريات و المكاتب المتمركزة، أو المتمرسة في البناء الشامخ الذي يتم توسيعه حالياً، مع المرآب التابع له، ليستوعبا عشرات من المستشارين و الكتبة، و السيارات الفارهة، مع طاقمٍ جديد من السائقين و الحرس.
إن تقييم أداء ما يجري في مبنى رئاسة مجلس الوزراء، سواءٌ على مستوى اللجان الوزارية، أو على مستوى المستشارين و الموظفين يصلح مدخلاً لمعرفة الآلية السائدة في الجهات العامة، من دوران للأوراق، إلى إرهاقٍ للمسؤولين و المدراء بأمورٍ تبعدهم عن مراقبة العمل، و التخطيط للمستقبل، كل ذلك في جوٍ يملؤه الخوف و الحذر و نقص التجربة.
بإختصار شديد، إن الموظفين التنفيذيين لا يتصرفون كعقائديين.... هم ينفذون قوانين و تعليمات لا تتعارض مع القوانين، و ليس من واجبهم تعديل السياسات العامة الإقتصادية و الزراعية و التجارية، كما ليس من واجبهم تعديل آليات العمل السقيمة و البالية، و رفع أهلية رؤسائهم المباشرين أو المدراء غير الأكفاء الذين حرقوا مراحل الترقية الوظيفية بسبب ألمعيتهم في اختراق الحواجز و النوافذ و ثقوب الأبواب، و همهم الأول التأكد من فاعلية السيارات المخصصة لهم، و حضور المؤتمرات و الندوات الخارجية، و زيارة الشركات الصانعة، لتفقد جاهزية التوريدات في أروقة الفنادق و المنتجعات فقط.
يا سيادة رئيس مجلس الوزراء القادم.... إن الإصلاح الإداري يحتاج إلى إنسانٍ صبور أكثر من الصبر نفسه.... و إن العدو الأول للإصلاح هو الطبيعة البشرية التي لا تحب التغيير و التعديل، و لا تستقبلهما بالترحاب، إلا إذا تواكبا مع الإرتقاء بالإنسان الذي نفترض فيه الحماسة و المشاركة الجادة فيما نصبو إليه، و الإنسان المقصود هنا هو موظف الدولة، بدءاً من كاتب الديوان، و انتهاءً بالمدراء العامين، و الوزراء الذين أصبح إسم منصبهم جزءاً من إسمهم المدون في دائرة الأحوال المدنية... إن الزوجة التي يطلب منها زوجها الإنتقال إلى بيتٍ جديد، سوف تعترض على طلبه، إن لم يكن البيت الجديد أكثر راحة لها و لأولادها... و سوف تعرقل رغبته بشتى الوسائل غير المباشرة.
أما العدو الثاني للإصلاح، فهو "المصلحون المنظّرون" الذين حصلوا على ألقاب مجيدة من الجامعات، و تصرفوا تجاه من خدموا الدولة من عمال و موظفين لسنوات طوال، باستعلاءٍ، و أنكروا عليهم تجربتهم المرة التي خضعت لتقلبات الأمزجة السياسية و الرقابية، و لقادة إداريين، وصلوا إلى مناصبهم بالمصاعد، أو بالصواريخ عابرة المراتب الوظيفية. و طالبوهم فجأة بإتقان اللغة الإنكليزية، و التعامل مع الكومبيوتر و فهم إتفاقية "الغات" و السوق الأوربية المشتركة، و أسواق أسهم (الكاك) و (نازداك). لذلك واجه الموظفون في الدولة دعوات الإصلاح على أنها "نكتة" أو تضييع وقت، و خير مثال على ذلك تجربة الإدارة بالأهداف.... إذ تساءل الكثيرون و هل هنالك إدارة بلا أهداف؟!! و انتظروا نتائج هذه التجربة، لكن تمخض الجبل فولد فأراً.... لماذا؟
لقد تبين لأصحاب التجربة، ما هو واضح قبل التجربة العتيدة، و هو أن الإدارة المسؤولة مباشرة عن العمل دون تدخل من سلطات ولائية أو رقابية، و التي يقودها مدراء أكفاء، هي إدارة ناجحة و رابحة.... !!! لذلك لا تفسح لهؤلاء المنظّرين أن يجعلوا من الوطن حقل تجارب لهم، و كأن الوطن ملك آبائهم و أجدادهم. لقد مُنح العديد منهم فرصة تسنم مناصب هامة فماذا قدموا للوطن؟؟ .... لقد تصرفوا بإستعلاء ما بعده إستعلاء.... هدموا كياناً موجوداً "رغم عيوبه" لكنهم لم يؤسسوا كياناً جديداً، و خير دليل على ذلك هو استنجادهم اليومي بمن صرفوهم من الخدمة، أو بالخبرات الخاصة من موظفين قدامى أو أساتذة جامعات، لمساندتهم في تسيير العمل اليومي، و ليس في وضع تصور للمستقبل.
و العدو الثالث للإصلاح الإداري هو الغرق في ملفات الفساد و المفسدين و الفاسدين... كل ما أرجوه أن تستفيد من هذه الملفات... من أجل وضع ضوابط تحول دون استمرار هذه الظاهرة الغريبة عن أخلاقنا و عن مجتمعنا، و أن تترك أمر معالجتها لمجموعة من القانونيين و الماليين من ذوي الخبرة و النزاهة و الذين لا يخافون إلا من رب العالمين.
و العدو الرابع للإصلاح الإداري –كما بينت في المقدمة- هو السأم، و رغم أن السأم حالة نفسية يصعب تلافيها، إلا أنه من المهم جداً أن لا يتحول السأم إلى يأس. لذلك أنصحك حين تصل إلى حالة اليأس من الإصلاح الإداري – و أرجو أن لا تصل-، أن تعد دراسة علمية و هادئة عن تجربتك و معوقاتها، مرفقة باستقالتك من منصبك العتيد.....
(يتبع) المحامي
مأمون الطباع
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=160&id=47