وفقاً للمبدأ الفرنسي الذي
وافق عليه الجميع، بما في ذلك المطرودون من جنة الحكم، فإن تسمية الرئيس
المكلف تطلبت توافق الغالبية، وبالتالي، هم يفترضون أن هذا التوافق ينسحب
على تأليف الحكومة، وهو ما لم يحصل. قسم من الادارة الفرنسية - استناداً
الى توصيات أميركية - جعل الحريري يتصرف على أساس أنه هو من يؤلف الحكومة.
وعندما رُفع شعار الاختصاصيين المستقلين، تصرّف الحريري ومعه أعضاء نقابة
رؤساء الحكومة السابقين، على أنهم هم القادرون على اختيار الاختصاصيين
المستقلين. فجأة، صار هؤلاء هم أصحاب الخبرة حصراً في تحديد من هو مستقل،
ومن هو اختصاصي. وقرروا اختيار جميع الوزراء، وما على الآخرين سوى
التوقيع... كان هذا أول خرق لمبدأ التوافق الذي حكم مبادرة الرئيس ايمانويل
ماكرون.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد في «الخفة» الفرنسية، إذ بات
معلوماً، وإن لم يكن معلناً، أن الفرنسيين تحدثوا بصورة رسمية وغير رسمية
مع عدد من الاقطاب اللبنانيين حول المشاكل الطارئة. وهم كرروا شعار بدء
الاصلاح ومحاربة الفساد أكثر من مرة. وعندما طُلب منهم التوضيح قالوا صراحة
إن في لبنان من الاقطاب من يجب أن يكون خارج إطار الحكم حتى تقدر أي حكومة
على محاربة الفساد. وفي لحظة الإلحاح، والإتيان على سيرة العقوبات، كشف
الفرنسيون أنهم يقصدون من داخل قوى السلطة، الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري
والنائب جبران باسيل، وأضافوا اليهم من خارج النادي النائب السابق وليد
جنبلاط وقيادات لبنانية أخرى، وحشد من رجال المال والاعمال. وخلال الايام
الاولى لمفاوضات تأليف الحكومة، بعث الفرنسيون برسائل مباشرة الى الرئيس
ميشال عون، والى آخرين، تفيد بأنهم سيفرضون عقوبات مباشرة وواضحة بالتعاون
أو من دون التعاون مع الاميركيين، وأدرجوا أسماء من بين هذه القيادات أو
العاملين معها. واعتبروا أن الأمر قد يكون خطوة إلزامية في حال لم يتم
تسهيل عملية تأليف الحكومة.
الواضح أن تعامل القوى المحلية مع سلاح
العقوبات لم يكن على المستوى نفسه. حزب الله قال بالتمييز بين العقوبات
بتهمة الفساد والعقوبات بتهمة دعم المقاومة. هو لن يقف في وجه عقوبات على
فاسدين في حال ثبتت الاتهامات، بينما سيعارض بقوة أي عقوبات استنسابية أو
لها خلفية وبُعد سياسيان. الرئيس بري ردّ بغضب وعنف على التهديد، خصوصاً
بعدما باشر الاميركيون التنفيذ من خلال فرض عقوبات على معاونه الأبرز
الوزير السابق علي حسن خليل، بينما مارس الحريري الصمت، مستدلاً من اتصالات
جانبية على أنه ليس هدفاً الآن، فيما ظهرت نتائج الضغوط على الرئيس عون
والنائب باسيل ومحطيهما. وهو ما ترجمه الجميع ردود فعل على آلية تأليف
الحكومة؛ فظهر تشدد الرئيس بري، وظهرت مرونة غير مفهومة من جانب عون
وباسيل، بينما تصرف الحريري على أساس أن الجميع لن يقاوم الضغوط وستتألف
الحكومة وفق ما يراه هو، بل مارس الضغط على الرئيس المكلف كي لا يتراجع عن
الشروط الاولية.
فرنسا هدّدت بالاسم بري والحريري وباسيل بالعقوبات على أساس ملفات فساد بحوزتها، لكنها تحثهم على التفاهم وعلى تأليف حكومة إنقاذ لمحاربة الفساد
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=110&id=184383