مصر: فائضُ خدمات وشحُّ أموال
08/01/2022



 


في الوقت الذي يحثّ فيه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الخُطى نحو رفع الدعم بشكل كامل عن المواطنين، يُبدي اهتماماً بتعويض طبقات معيّنة عن فوارق الأسعار، وهو ما سيكون له أثره في المستقبل القريب لناحية تعميق الفوارق الطبقية، نتيجة الامتيازات التي تُمنح للفئات المقرّبة من الرئيس. قبل سنوات قليلة، أحيا السيسي مشروع معالجة المناطق العشوائية - الذي كان وَضَع خطّته نظام حسني مبارك -، محاوِلاً الإسراع في تنفيذه، لكن بطريقة تسمح له بتحقيق عائدات من ورائه، بدءاً من استغلال قطع الأرض المميّزة، مروراً بتحويل الملكية فيها إلى عقود مؤقّتة وبشروط وضوابط، وصولاً إلى فرض نمط حياة محدّد لا يُسمح بتجاوزه على أبنائها. وفي المقابل، وُضع نمط حياة آخر لرجال النظام، متمثّل في منحهم فيلات فارهة في تجمّعات سكنية كبيرة ومغلَقة، بأسعار أقلّ من مثيلاتها في المناطق المجاورة، مع إدارة عسكرية حازمة في مناطقهم، لا تسمح بالاستثمار فيها سواءً بالإيجار أو إعادة البيع إلّا بشروط صارمة للغاية، ولمُدَد محّددة، كما لا تسمح للمدنيّين بالاقتراب من بعضها. وإلى جانب ما تقدّم، لا تقتصر امتيازات الجيش والجهات السيادية على الرواتب التي تزيد من دون حدّ أقصى، والمكافأت وساعات العمل الأقلّ مقارنة بالجهات المدنية، بل تمتدّ لتشمل أيضاً تسهيلات في العلاج المجاني في مستشفيات فخمة للفرد وعائلته، تحت عنوان مكافأة ما يقدّمه هؤلاء من «تضحيات للوطن». لكن في الواقع، فإن قيمة هذه المبالغ التي زادت بصورة غير مسبوقة، وعرقلت طرْح بعض الشركات الخاصة بالجيش في البورصة، يعكس أوجه إنفاق تضغط على عجز الموازنة بصورة أكبر من الدعم الموجّه لشريحة تُمثّل نحو 70% من الشعب المصري.

نموذج آخر من هذا الإنفاق الباذخ، يتمثّل في تدشين مبانٍ مِن مِثل «أطول برج في أفريقيا» و«ثاني أكبر مسجد في القارّة السمراء» وناطحات السحاب في الساحل الشمالي للمرّة الأولى، فضلاً عن المباني الحكومية الجديدة والقصور الرئاسية، والتي يتحمّل المواطنون كلفتها، ليس لناحية توجيه مخصّصات الدعم لها فقط، ولكن أيضاً عبر إجبارهم على الذهاب إليها لأداء وظائفهم، بنقليات يسدّدون لقاءها رسوماً لخزانة الدولة. هكذا، يسعى السيسي لتسجيل أرقام قياسية باسمه، بغضّ النظر عن مدى الاحتياج الحقيقي لها ولسرعة تنفيذها؛ فالإسراع في تنفيذ تفريعة قناة السويس الجديدة مثلاً، استنزف الاحتياطي النقدي، وعجّل بتحرير سعر الصرف وتدمير جزء من القيمة الفعلية لودائع المصريين، فيما مشروعات الكهرباء التي تفوق الحاجة العملية توقّف عمَل بعضها بعد أسابيع من افتتاحها، ومشروعات الإسكان في الصعيد بقيت مهجورة. بالنتيجة، يرفع الرئيس الدعم عن الخدمات مقابل توفيرها، لكن عدم توافر السيولة المالية للسداد لدى المواطنين، مع تزايد الأعباء عليهم نتيجة رفع الدعم، يجعلان الإقبال على استهلاك هذه الخدمات متواضعاً.
سيرياستيبس - الاخبار



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=110&id=190206

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc