في خطوة تندرج ضمن مسار عربي «انفتاحي» على دمشق، تتصدّره معظم دول «مجلس التعاون الخليجي» وتُعارضه قطر، زار الرئيس السوري، بشار الأسد، أمس، سلطنة عُمان، حيث التقى السلطان هيثم بن طارق في أجواء مشابهة لزيارة سابقة أجراها الأسد للإمارات، وتبعتْها خطوات «تطبيعية» من قِبل أبو ظبي. وبينما ترتبط سوريا وعُمان بعلاقات متينة، تأتي هذه الزيارة بعد أيام من إعلان الرياض انفتاحها على دمشق، من خلال حديث وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في «مؤتمر ميونيخ للأمن»، عن وجود إجماع خليجي وعربي على عدم القبول باستمرار الأوضاع في سوريا على ما هي عليه الآن، وتشديده على ضرورة إعادة النظر في طبيعة العلاقات مع الحكومة السورية. الوزير السعودي، الذي رفض التعليق على الأنباء التي تحدّثت عن زيارة مرتقبة سيجريها إلى العاصمة السورية، قال خلال مشاركته في المؤتمر المذكور، السبت الماضي: «سترون أن إجماعاً يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل في العالم العربي، على أن الوضع الراهن في سوريا غير قابل للاستمرار»، مشيراً إلى أنه «في ظلّ غياب سبيل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حلّ سياسي، فإنه بدأ يتشكّل نهج آخر لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين، وخاصة بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا (...) لذا، ينبغي أن يمرّ ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما، بما يسمح على الأقلّ بتحقيق الأهداف الأكثر أهمّية، وخاصة في ما يتعلّق بالزاوية الإنسانية وعودة اللاجئين».
وبينما يشكّل الانفتاح السوري - السعودي أحد عوامل الاستقرار في المنطقة التي تعيش اضطرابات متعدّدة، سواء في الداخل السوري الذي ما زال يعاني من التمزق نتيجة وجود مناطق خارجة عن سيطرة دمشق (الشمال الشرقي الخاضع لسيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) بإشراف أميركي، والشمال الخاضع لسيطرة الفصائل المدعومة تركياً، والشمال الغربي الخاضع لسيطرة «هيئة تحرير الشام» – «جبهة النصرة»)، أو حتى بالنسبة إلى دول الجوار، بما فيها لبنان الذي يعاني أزمة اقتصادية وفراغاً رئاسياً، يمكن النظر إلى الخطوة السعودية على أنها بداية مرحلة جديدة في تاريخ الحرب السورية المشتعلة منذ 12 عاماً، والتي أدّت خلالها المملكة دوراً بارزاً في دعْم المعارضة، وشكّلت في سنواتها الأولى منصّة عمل مباشر للفصائل الناشطة على الأرض، ممِدّةً الأخيرة بالمال والسلاح حينها، قبل أن تتراجع بشكل تدريجي عن هذا الدعم. ولا يعدّ التطبيع السوري – السعودي، إذا جرى كما هو مخطَّط له، حدثاً طارئاً أو مفاجئاً؛ إذ إن إرهاصاته تأتي بعد نحو أربع سنوات من عمل مستمرّ تصدّرتْه في البداية روسيا التي عملت على تدفئة الأجواء، وانضمّت إليها في وقت لاحق كلّ من الإمارات وسلطنة عمان اللتين تتمتّعان بعلاقات ممتازة مع سوريا، تُخوّلهما القيام بدور وسيط بين دمشق والرياض، وهو ما يجري الحديث عنه في الوقت الحالي.
يشكّل الانفتاح السوري - السعودي أحد عوامل الاستقرار في المنطق


ومنذ وقوع الزلزال، شهدت الساحة السياسية العربية انفتاحاً متزايداً على دمشق من دول كانت تتّخذ موقفاً متردّداً، أبرزها مصر التي بادر رئيسها، عبد الفتاح السيسي، إلى الاتّصال بنظيره السوري بُعيد وقوع الكارثة معزياً، في أوّل تواصل رسمي بين زعيمَي البلدين منذ اندلاع الحرب في سوريا. وتبع ذلك إرسال القاهرة مساعدات إغاثية وإنسانية، ما زالت مستمرّة إلى الآن. وعلى المنوال نفسه، بادر الملك الأردني، عبد الله الثاني، إلى الاتّصال بالأسد وتعزيته بالضحايا، قبل أن يوفد وزير خارجيته، أيمن الصفدي، إلى دمشق، للقاء الأسد ووزير الخارجية السوري، فيصل المقداد. وفيما خرج المقداد إثر اللقاء بتصريحات تشكر الجهود الأردنية، وتشيد بموقف الجارة الجنوبية لسوريا، أعلن الصفدي استكمال بلاده العمل على محاولة إيجاد حلّ للأزمة السورية بعد خطّتَين سابقتَين أعلنت عنهما عمّان، عنوانهما الانفتاح على دمشق، إثر تعثّر جميع الجهود التي قادتها العواصم المناوئة للأخيرة لإحداث تغييرات في هيكلية السلطة فيها، ما يعني عدم وجود بديل من محاورة الحكومة السورية.
وفي محاولة واضحة لتجنّب الدخول في مواجهة مع واشنطن، التي تعلن بشكل مستمرّ رفْضها قيام أيّ دولة بالتطبيع مع دمشق، وتهدّد بين وقت وآخر بالعقوبات المفروضة على سوريا، بادرت السعودية، بُعيد وقوع الزلزال، إلى إرسال مساعدات متوازنة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وتلك الخارجة عن سيطرتها في شمال البلاد، قبل أن تعلن في وقت لاحق مساعدات بقيمة نحو 50 مليون دولار للبلدَين المنكوبَين لمواجهة الكارثة. وأمام المشهد «الانفتاحي» العربي المتتابع على دمشق، تبقى قطر وحيدة، من بين الأطراف الإقليمية، في تصدُّر قائمة الدول التي تُتابع نشاطها المعادي للحكومة السورية، بعدما خسرت موقف حليفتها (أنقرة) التي تخوض، بدورها، جولات من المحادثات المستمرّة مع دمشق للوصول إلى صيغة توافقية للتطبيع بين البلدين، ومعالجة جملة من المشكلات العالقة، تسبّبت بها الحرب، وقامت فيها تركيا بدور بارز. ولعلّ ذلك يمكن أن يفسّر الحملة الإعلامية الشرسة على دمشق، والتي جاءت بعد إعلان واشنطن تقديم دعم مالي بقيمة 25 مليون دولار لوسائل إعلام غرضها دعم الموقف الأميركي من سوريا.