سفر الختام – الإصحاح التاسع.. أنعود لتلك الأيام؟ أم هي عائدة لنا؟
26/05/2022



..

كتب الاعلامي أسعد عبود :

لم يكن باستطاعتنا أن نحدد موقع الشمس في رحلتها اليومية .. ولا لون أشعتها … الغيوم مطبقة على قبة السماء و المطر يهطل مدراراً .. بغزارة و دون توقف … منذ نزلنا من السيارة عند مخفر الحصان و اتجهنا إلى القرية .. و لم يبق في ما نرتديه خيط واحد غير مبتل .. طول الطريق الذي مشيناه في هذه الجبال الصامتة … يصل نحو خمسة كيلو مترات ، و قد دخلنا القرية .. أمامنا ينتصب بيت أحمد صالح و هو يبعد عن بيتنا أقل من كيلومتر واحد.. لكن أهوال المطر الذي لا يتوقف و ما يرافقه من برق و رعود .. و التعب الذي اعترانا في ذاك المسير القسري .. جعلنا نقصد هذا البيت المنفرد أول الضيعة لندفأ و نهرب من المطر .. و كانت فكرة خاطئة !!

 

نحن وصلنا “جبلة ” متأخرين ..و قد غادرت بوسطة الضيعة و لم يعد من عربة توصلنا .. و النوم في جبلة شبه مستحيل .. ثم أنا الخارج للتو من الطفولة بعمر 13 سنة ..مشتاق لأهلي .. فلم أزر بيتنا منذ بدأ العام الدراسي .. و قد بدأ متأخراً ذاك العام !! حيث وقع الانقلاب الذي فصل عرا الوحدة بين سورية و مصر و أسقط دولة الجمهورية العربية المتحدة في 28 أيلول 1961 و فتحت المدارس في 4 تشرين الثاني .. و كان قد اختير لي و كنت في الصف التاسع حيث شهادة الدراسة الإعدادية أن أذهب مع أخي محمد رحمه إلى المدرسة الخاصة التي يدرس فيها بقرية ” كنسبا ” .. بعيدة جداً .. لكنها توفر على أبي قسط المدرسة ..

 

كان المشي هو أول سلاح احتياطي للتنقل و الانتقال .. رغم رخص أجور النقل بالسيارات و البوسطات و الباصات .. كانت تنكة البنزين بسبع ليرات … و تنكة المازوت بليرتين و نصف ..و أجرة الراكب على المقاطع الرئيسية التي توصل بين المدن الصغيرة و مركز المحافظة .. وبين القرى و مراكز الأقضية .. نحو نصف ليرة للبوسطات و الباصات .. وليرة للسيارات الصغيرة .. و خمس ليرات و ربع الليرة بين جبلة و دمشق ..

 

كل شيء رخيص و متوفر .. لكن كانت أيام فقر .. ذاك الرخص و الوفرة كانا الداعم الأساسي للناس في حياتهم .. و كانت حياة صعبة ناضل الناس طويلاً للخروج منها ..

 

لذلك تراهم اليوم ترعبهم الحالة التي تذكرهم بظروف الماضي .. ولا يجدون طريقاً لمقاومة هذا الدفع و الدفش المستمرين لهم باتجاه تلك الحياة .. حيث يضطر الواحد منا للتنقل ماشياً لحل أمور حياته ..فقد توسعت المسافات و خرج الزمن من إمكانية أن يمضي بالحياة سيراً على الأقدام … فهل ترانا سائرين بذاك الاتجاه .. ولا وفرة ولا شيء رخيص ..؟؟!!



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=127&id=191858

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc