نفقات الطلاق متخمة بالمحاضرات والندوات وأيضاً قانون هشّ ..
26/07/2022



 

سيرياستيبس :

أكثر من عامٍ مضى على مغادرتها منزلها الذي كان على مدى عشر سنوات أشبه بالسجن، ليكون القرار بالطلاق والدخول في دوامة المحاكم لعلّ وعسى تحظى “عفاف” بنفقة لطفليها بعد أن استحالت الحياة الزوجية، وعلى الرغم من يقينها بأن القانون لن ينصفها، وأنّ النفقة التي ستحصل عليها لن تكون “البحصة التي تسند جرّة”، إلّا أنها فضّلت المجازفة وتقديم الأدلّة والحجج على امتلاك زوجها لعقارات ودخل أكثر من ممتاز لم ترَ منه على مدى السنوات العشر شيئاً يُذكر في منزلها، لتبوء في نهاية المطاف محاولاتها بالفشل وتحظى بـ 8000 ليرة نفقة لكلّ طفل لا تكفي ثمن علبة دواء.

نسوة عديدات أمثال “عفاف” حاولن ركوب موجة الطلاق وإعلان الانسحاب من حياة بائسة، لتعود بهن الموجة نفسها إلى الخنوع والعودة إلى منازلهن بدلاً من الطلاق وانتظار نفقة أُتخمت بالمحاضرات والندوات والمؤتمرات والمناشدات المطالبة برفعها وإنصاف المرأة دون جدوى، إذ لا زالت الخطوات باتجاه إحداث أي تغيير في نفقة المطلقة خجولة، ولاسيّما مع عدم وجود نيّة حقيقية في تعديل بنود قانون نفقة المطلقة الهشّ وسط ارتفاع مؤشر الطلاق خلال السنوات الأخيرة، ليشكل ظاهرة خطيرة تستحق الوقوف عندها والبحث في أسبابها ووضع حلول لمعالجتها والحدّ منها، ولاسيّما أن شريحة الأطفال هي من تدفع الثمن أولاً وأخيراً، عدا عن أن الطلاق يشكل وضعية ظلم واضطهاد للمرأة من خلال تبعاته، إضافة إلى تبعات الحضانة والسكن وغيرها، إذ أكدت الأبحاث والمحاضرات التي تناولت موضوع نفقة المطلقة في سورية على ضرورة  تضافر اجتماعي كليّ لنيل المرأة حقوقها وحقوق أطفالها كاملة في حال حدوث الطلاق، لا تركها عرضة لتحكم الزوج بها وبما تستحق من نفقة حسب تقديره، كما تضمّنت بعض الأوراق البحثية الحديث عن أهمية إلزام الزوج بالنفقة على زوجته بالمعروف، كذلك الأمر في حال حدوث طلاق من خلال ورقة تُضاف إلى عقد الزواج بهدف إجبار الزوج على التفكير بشكل كليّ وموضوعي وحقيقي بإقامة أسرة على أسس سليمة، إضافة إلى الكثير من المقترحات التي تمحورت حول البدء بالتفكير في تأمين رعاية حكومية للأم المطلقة الحاضنة، وإنشاء صندوق للنفقة يتولّى تأمين مصروف مقبول لها ولأولادها من خلال الاستفادة من تجارب الكثير من الدول الأخرى.

تعديلات مجحفة

أهل الاختصاص لم يلقوا اللوم على القانون الذي من وجهة نظرهم حاول إعطاء المرأة المطلقة حقوقها وإنصافها، لكن ما يجري في الكثير من الحالات هو حدوث خلل وأخطاء في تطبيق القانون، إذ يرى المحامي معاذ عجلوني  أن “القرارات والبلاغات والتعليمات في كثير من الأحيان تفرغ القانون من مضمونه وتقيّد وصوله للغاية التي وضع من أجلها”. ولم ينفِ عجلوني قصور وضعف بعض القوانين الناجم عن خلل في التشريع نتيجة عدم مشاركة الاختصاصيين القانونيين في لجان التشريع بمجلس الشعب وعدم أخذ رأي الكادر القضائي والأكاديمي ونقابة المحامين في سن القوانين، إضافة إلى عدم مواكبة القانون ذاته  للواقع  والتكنولوجيا ووسائل الإثبات المستجدة بهذا الخصوص.

وفيما يتعلق بنفقة المطلقة يجد عجلوني أنّ المحكمة تقدّر النفقة حسب حالة الزوج (يسر، عسر) وعلى الزوجة إثبات يسر زوجها لتحكم بنفقة مناسبة والإثبات بالشهادة أو البينة الكتابية (فواتير مشتريات) وكافة طرق الإثبات، فالزوجة تستحق النفقة حال انعقاد الزواج بكافة الأحوال. واستند عجلوني في حديثه إلى المادة  78 من قانون الأحوال الشخصية والتي أوجبت النفقة من تاريخ امتناع الزوج عن الإنفاق، بشرط ألا تتجاوز المدة المطالب بنفقتها سنتين سابقة لتاريخ الادعاء، كما تنتهي نفقة الأولاد بإكمال الشاب أو الفتاة سن الـ15 سنة وهو سن الحضانة، كما لا تتجاوز قيمة النفقة عملياً الـ10 آلاف ليرة سورية، إلا إذا قدمت الزوجة وثائق تثبت أنه تاجر أو ميسور الحال عند ذلك يمكن أن يصل مبلغ النفقة إلى 100 ألف ليرة عن كل محضون. ولم يجد عجلوني بالتعديلات التي طرأت على موضوع النفقة في قانون الأحوال الشخصية إنصافاً للمرأة المطلقة كون هذه التعديلات لم تواكب موجة التضخم التي طرأت على المجتمع السوري خلال السنوات العشر الأخيرة، فمبلغ الـ10 آلاف ليرة لا يكفي ثمن حليب أو غيره من المستلزمات الأولية للمحضون، هذا عدا عن مصاريف الطبابة والدراسة.

ضعف في القانون

المحامي عجلوني عرّج في حديثه معنا على الحديث عن أسباب الطلاق المتزايد والذي يُفضي إلى الوقوع في مشكلات النفقة والتي لخصّها في ارتفاع معدلات الفقر الذي أدى لوقوع خلافات تنتهي بالطلاق، إضافة إلى التعامل بشكل خاطئ مع وسائل التواصل الاجتماعي، ناهيك عن الفارق العمري بين الزوجين والذي يعتبر سبباً مهماً أيضاً للطلاق، وقد يؤدي إلى قلة الانسجام الذي ينتهي بالطلاق، فهجرة الشباب أدت إلى قبول العديد من الفتيات برجال يبلغون ضعف عمرهن أو ضعفين، ويرى عجلوني أن أهم نقاط ضعف القانون فيما يتعلق بحقوق المطلقة هو تدني قيمة المهر المتفق عليه حين انعقاد الزواج، ذلك التدني ناتج عن التضخم وانخفاض قيمة الليرة السورية الناجم عن الأحداث، فالمهر الذي تحصل عليه الزوجة بعد التفريق أو الطلاق أو المخالعة لا يكاد يكفي أتعاب المحامي ورسوم الدعوى، والأمر ينطبق أيضاً على تدني نفقة العدة بعد الطلاق ونفقة المحضون، وبالتالي فمن الأولى أن يراعي المشرّع مسألة بقاء المطلقة في دار الزوجية لمدة معينة مع أطفالها ريثما تتأقلم اجتماعياً ومالياً ونفسياً مع الوضع المستجد بعد الانفصال، وذلك حفاظاً على ما تبقى من الأسرة التي هي الخلية الأهم في المجتمع.

ميس بركات

 



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=127&id=192387

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc