سيرياستيبس :
لم تهدأ وتيرة المطالب العمالية خلال السنوات الماضية، ولم تخرج الاستكانة النقابية أو التريث في الضغط من أجل تنفيذها عن سكة العمل النقابي المطلبي، بل كانت جزءاً من الحالة الوطنية التي فرضت ترتيباً معيناً للأولويات، ولذلك كانت النقابات العمالية حاضرة في كلّ موقع وفاعلة في مواجهة التحديات.
طلال عليوي، أمين الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام لنقابات العمال، كان واضحاً في طرح المطالب العمالية والتي لخّصها كعناوين عريضة بمعالجة الأخطاء المرتكبة بحق الاقتصاد، ومحاربة الفاسدين واستئصالهم، وإصلاح القطاع العام، واحترام المسؤولين للقرارات الصادرة عنهم.
وبيّن عليوي أن النقابات العمالية تدعو إلى الضرب بيد من حديد على قوى الفساد، وتجار الأزمات والمحتكرين، الذين لا يقلّون خطورة عن الإرهاب عبر المتاجرة بقوت المواطنين وحياتهم المعاشية، وهي أيضاً تطالب الحكومة بالعمل على تحسين الوضع المعيشي من خلال زيادة حقيقية في الأجور تتناسب مع الوضع الاقتصادي السائد، وتقلص الفجوة بين إيراد المواطن ونفقاته، وتفعيل موضوع فتح سقوف الراتب والإعفاء الضريبي للحدّ الأدنى من الأجور، والعمل على ضبط السوق عبر تفعيل لجان حماية المستهلك، ومشاركة جميع الجهات المعنية للعمل على ضبط الأسعار وعدم الانصياع لتوجهات السوق. وشدّد على عدم قدرة الرواتب الحالية على سدّ الفجوة الكبيرة بين الأجور والإنفاق، وهذا يتطلّب من الحكومة توفير البدائل الأخرى للدخول عن طريق التمويل الصغير والمشاريع المدرّة للدخل، وتوفير البيئة المناسبة لرواد الأعمال الشباب لدخول سوق العمل، فكل الإجراءات الحكومية، والكلام لعليوي، في هذا الشأن ماتزال غير كافية لخلق بيئة أعمال محفزة لبناء مشروعات صغيرة ومتوسطة.
وفيما يخصّ القطاع العام أكد عليوي المطالبة النقابية الدائمة لإعادة هيكلة القطاع العام والبنية الهيكلية للاقتصاد السوري، حيث جرت محاولات عديدة لإصلاحه لكن لم تتمكن الحكومة حتى الآن من حلّ هذه المعضلة. كما لفت إلى أهمية وضرورة بناء سياسة مالية ونقدية متوازنة فمازال، برأي عليوي، التهرّب الضريبي كبيراً ومازال الأداء بالنسبة للسياسة المالية يقوم على الجباية وليس التحفيز، ومازالت السياسة النقدية تقوم على ردة الفعل وليس على مبدأ الاستقرار النقدي طويل الأجل. وأوضح أهمية العمل على وضع سياسات عامة لمواجهة العقوبات، لافتاً إلى أنه من غير المنطقي الاستسلام للحصار وعدم اجتراح حلول مبتكرة تخفّف من وطأة العقوبات الجائرة على سورية، وذلك عن طريق فتح قنوات مع العديد من الدول العربية بعد عودة الجامعة لسورية “كما قال” والصديقة والدول التي ترغب في التعاون مع الحكومة السورية، ويمكن للقطاع الخاص الوطني المساهمة في ذلك.
ومن المطالبات النقابية التي استعرضها عليوي خلال حديثه لـ”البعث” العمل على إجراء مسابقات لكلّ مؤسسة ووزارة على حده، وحسب الواقع الفعلي والحاجة الفعلية، والأولوية لمن هم على رأس عملهم منذ سنوات عديدة واستثنائهم من شرط العمر وعدم التخلي عنهم بقرارات ارتجالية، كما حصل في وزارة العدل، تولّد المخاوف لاتباع باقي الوزارات هذا الأسلوب بعد المسابقة المركزية التي لم تلبِ حاجة المؤسسات وطموح المتقدمين لها.
وركز عليوي على ضرورة محاسبة كل مدير مؤسسة لم ينجز نظام التحفيز الخاص بمؤسسته، الأمر الذي فوت منفعة على العمال في مواقع العمل، لافتاً إلى مراسلة بين الاتحاد العام لنقابات العمال ورئاسة مجلس الوزراء لتمديد العمل بأنظمة الحوافز نظراً لتأخر الجهات المعنية في إصدارها مع استمرار العمل في مواقع الإنتاج، وهذا يفوت منفعة ويؤثر على العملية الإنتاجية من خلال اقتصارها على الحدّ الأدنى من الإنتاج وهذا يعني تعطيلها. وأشار إلى أن هناك آلاف العمال المحرومين من الأمان الوظيفي والمهدّدين دوماً بالفصل، وانفراد الحكومة باتخاذ القرارات في ظل تغيب متعمد للنقابات وهناك بطالة متفشية، حقيقية ومقنعة، وعدد العاملين ضعيف جداً، والبطالة الحقيقية تبلغ نسبتها أضعاف الأرقام المعلن عنها، ولفت إلى وجود عنف اجتماعي متفشٍ، لفظي وبدني، وجريمة تزداد انتشاراً واستفحالاً، وانهيار قيمي أخلاقي، وهناك أشياء كثيرة يستحيل حصرها وسردها كلها.
وسلّط عليوي الضوء على مطلب عمالي يخصّ الوحدات الإنتاجية لصناعة الألبسة والتي أحدثت لتأمين دخل دوري لعائلات جرحى وشهداء الطبقة العاملة وشهداء الواجب وتأهيل عمال لرفد سوق العمل، معرباً عن استغراب وتفاجأ النقابات العمالية من إدراج وحدة لصناعة الألبسة تتبع للاتحاد العام للفلاحين ضمن لجنة توزيع اللباس في وزارة الصناعة واعتمادها من الحكومة، وتساءل عليوي إذا كانت هذه الوحدة من مهام الفلاحين أم أنها جمعية فلاحية لصناعة الألبسة، مطالباً بإعادة النظر بهذه الجمعية وإعطاء “الخبز لخبازه”.
وبشفافية تامة أكد عليوي أن هذه الصورة التي قدّمها عن الواقع خلال حديثه ليست ضبابية، بل صورة واقعية تؤكد وجود أزمة مجتمعية خانقة، وحالة تدهور خطيرة لجهة التنمية وهي تهدّد البلد، وقد ازدادت تفاقماً مع الحكومات السابقة خلال الحرب والتي لم تفلح في إقرار نموذج تنموي يخرج البلاد من دائرة الأزمة. وأنهى عليوي كلامه معنا بانتقاد برنامج العمل الحكومي، وللدقة وعدم تغيير المعنى والمقصود لم نتدخل في صياغته بل تركناه كما هو “نحن الآن، لم نعد نأمل في تنمية تحقق ازدهاراً اقتصادياً، يضمن الرخاء والرفاه لمواطنينا، ويجعلنا في مصاف الدول المتقدمة، نحن فقط نتوق إلى برنامج حكومي يوقف هذا التدهور الخطير”.