سيرياستيبس :
يعود تأسيسها إلى العام 1938 ولها
علاقات راسخة مع النقابات والاتحادات العربية والعالمية سواء على المستوى
الثنائي أو على مستوى التكتلات النقابية، هي مؤسسة عريقة معنية بحقوق شريحة
واسعة من الشعب السوري، شريحة الطبقة العاملة، ولهذه المؤسسة ما لها
وعليها ما عليها، أداؤها دائماً تحت الضوء عبر انتقادات في جوانب كثيرة
وعمل ملموس في أخرى، والمطالب بالمزيد لا تتوقف، سواء من العمال أو من
الأوساط الشعبية، فكيف يعمل الاتحاد العام لنقابات العمال وسط هذه الظروف
لتحسين المستوى المعيشي للعاملين؛ الذين تعرضت أعدادهم لاستنزاف خلال سنوات
الحرب على سورية؛ لتبلغ اليوم حوالي650 ألف عامل مقابل مليون ومئة ألف
عامل العام 2010؟ ما يستوجب أن يكون الاهتمام بقضايا العمال من أولويات أي
عمل حكومي لوقف النزيف ودعم هذه الشريحة التي هي عماد الاقتصاد في كل
الأوقات، ورافعة نمائه وركيزة بنائه في المرحلة الأكثر حاجة لتثبيت
الركائز، فكيف يمكن للعمال العمل بجدية واهتمام وتحقيق إنتاجية برواتب
ضعيفة وتحفيز متوقف وتأمين صحي بمراحله البطيئة، وقانون تحت اسم «الخدمة
العامة» طال انتظاره بمخاوف أن يكون أقل من المطلوب؟ وأين الاتحاد العام
لنقابات العمال من كل هذا؟
لمعرفة أين الاتحاد، وكيف يعمل؟ ومتى يتدخل؟
وما له وما عليه؟ أجرت «الاقتصادية» حواراً موسعاً مع رئيس الاتحاد العام
لنقابات العمال جمال القادري ليفرض الواقع نفسه بقوة.
زيادات الأسعار تمتص زيادات الرواتب
ما الذي يقوم به الاتحاد العام لنقابات العمال لتحسين الوضع المعيشي لعمال سورية؟
الاتحاد يتابع رصد الواقع من خلال دراسة المستوى العام للأسعار وتأثيراته
على الأجور، والمطالب مستمرة ومذكراتنا متواصلة إلى رئاسة مجلس الوزراء
فيما يتعلق بمعالجة الوضع المعيشي، وبزيادة الرواتب والأجور، والتعويضات
والحوافز الإنتاجية، لكن الاستجابة تكون ضمن ما تسمح به الموارد المتاحة،
والموارد غالباً لا تكون قادرة على تلبية الحاجة لزيادة فعلية في الرواتب
والأجور بما يمكن العامل من تأمين الحد الأدنى للمعيشة وفقاً للأسعار
الرائجة.
تصلنا وعود دائمة بأنه كلما توافرت موارد إضافية بالخزينة أن
يكون هناك زيادة في الرواتب والأجور، والحقيقية حصلت زيادات مهمة بمراسيم
عدة حسنت الرواتب بشكل كبير، لكن في المقابل الزيادات بالأسعار امتصتها.
مطالبتنا بتحسين الوضع المعيشي لا تتعلق فقط بالمطالبة الدائمة بزيادة
الرواتب والأجور، هناك مطالبة بضبط الأسواق والأسعار، ويبدو أن هذه المسألة
غير متاحة فجميعنا نعيش حالة فلتان الأسواق والتسعير الكيفي ونرصد حالات
احتكار للكثير من السلع المتعلقة بالسلة الاستهلاكية، حتى أصبحت نفقات
تأمين مستلزمات المعيشة باهظة جداً مقابل دخول قليلة ورواتب غير قادرة على
مواكبة الارتفاعات المتتالية بالأسعار ومعدلات التضخم المستمرة.
نعمل لتخفيف التثقيلات
هل يعمل الاتحاد على إيجاد طرق أخرى لتحسين معيشة الطبقة العاملة؟
تحسين الوضع المعيشي يكون أيضاً بتخفيف التثقيلات عن الراتب، فالتأمين
الصحي بالنسبة للعاملين في القطاع الإداري قائم رغم وجود بعض الملاحظات
عليه، ونحن اليوم نطالب بالتأمين الصحي للمتقاعدين كمرحلة ثانية من مشروع
التأمين الصحي، وهذا المطلب في مقدمة اهتماماتنا باعتبار أن المتقاعدين
بأمسّ الحاجة لهذه الخدمة، وقد أكد وزير المالية في أكثر من مناسبة أن هناك
صكاً يُعدّ لتشميل المتقاعدين، وحقيقة الفاتورة الصحية باهظة ومكلفة
وخصوصاً مع توجه معظم المشافي حتى العامة إلى نظام الهيئات والخدمات
المأجورة، ومشروع التأمين على ثلاث مراحل أولاً العاملون ثم المتقاعدون
فأفراد أسرة العامل، وهناك حاجة ماسة لهذه المسألة.
الحكومة رب عمل
بالنسبة للعاملين في القطاع العام، ونحن نتوجه بمطالبنا إليها، وأي مكسب
عمالي نحصل عليه نتيجة المتابعة والعمل مع الجهات التنفيذية المختصة هو
جيد، وخاصة أننا لا يمكن أن نسقط من الاعتبار الظروف الاقتصادية والتحديات
الهائلة التي تواجه البلاد وفاتورة الانفاق الهائلة بكل الاتجاهات، لكن نحن
كجهة مطلبية عمالية معنيون بالمطالبة لتحصيل حقوق العمال، وهذا عمل لا
يتوقف أبداً.
بالنسبة للقطاع الخاص؟
نحن في
حالة حوار دائم مع القطاع الخاص عبر اتحادات الغرف أو بشكل مباشر مع أرباب
العمل، ونلقى استجابة جيدة وأسرع باعتبار أن القطاع الخاص يتحلى بمرونة
أكبر فيما يتعلق بعملية اتخاذ القرار، ونسبياً رواتب القطاع الخاص أفضل من
العام.
الاتحاد يتساءل عن التحفيز
أين وصل التحفيز الوظيفي؟
نحاول من خلال الحوافز تأمين عوامل دعم للعمال، والحوافز توقفت لفترة بعد
صدور مرسوم التحفيز الوظيفي الجديد، ولم يتم التمكن من تنفيذه مع بداية
العام في اللحظة التي يجب أن يدخل فيها حيز التنفيذ بعد عشرات الاجتماعات
التي تمت في وزارة التنمية الإدارية مع الجهات المعنية، إذ تبين للمعنيين
أن هناك سوء فهم فيما يتعلق بهذا المرسوم ومتطلبات تنفيذه، وبالتالي أوقف
وشُكلت لجنة لدراسة سوء الفهم ومعالجته، وكان هناك قرار بالعودة إلى نظام
الحوافز الذي كان معمول به سابقاً، لكن من حقنا أن نتساءل إلى أين وصل عمل
اللجنة المشكلة في مجلس الوزراء والمكلفة إعادة دراسة مرسوم التحفيز
الوظيفي؟ باعتبار أن هذا المرسوم لا يزال قائماً وأوقف بقرار رئيس مجلس
الوزراء ليصار إلى تشيل لجنة للدراسة وإزالة اللبس، رغم أننا كنا متفائلين
جداً بالمرسوم، وخصوصاً أن نظام التحفيز فيه شمل أيضاً القطاع الإداري الذي
لم يكن يستفيد من الحوافز سابقاً.
ما الذي يمكن أن يقدمه الاتحاد أيضاً أو يقوم بتقديمه فعلاً؟
لدينا صناديق تمول من اشتراكات المنتسبين على مستوى النقابات والاتحادات
وعلى مستوى الاتحاد العام أيضاً، ولدينا صندوق التكافل المركزي لذوي
الشهداء والجرحى من أبناء الطبقة العاملة، يقدم إعانات شبه منتظمة دورية كل
شهرين حسب الإمكانيات، وأحدثنا وحدات إنتاجية 50 بالمئة من ريعها مخصص
لتمويل صناديق (المساعدة، والتكافل الاجتماعي، وصندوق الجرحى والشهداء) فهي
لو اعتمدت فقط على الاشتراكات لوقعت في عجز فوري، لكن ندعمها دائماً بجزء
من أي استثمار نقوم به..
الأزمة استنزفت العمالة
للنصف تقريباً
هل هناك استنزاف بالعمالة أم فائض كما يتحدث البعض، وهل للقرارات الحكومية دور في هذا الاستنزاف؟
نزيف كبير حصل خلال الأزمة، ومن يتكلم عن وجود فائض يقول كلاماً غير
مسؤول، فأمام الرقم لا مجال للاجتهاد، عام 2010 كان عدد المنتسبين للاتحاد
العام نحو مليون و100 ألف عامل، وحالياً لا يتجاوز 650 ألف عامل، وهذا نزيف
واضح، فأين ما يتحدثون عنه من فائض؟
خلال الأزمة كان هناك انزياح
سكاني كبير خارجي وداخلي، وتحت ضغط الوضع الاقتصادي الصعب هاجر الكثير من
شريحة الشباب بحثاً عن مصادر رزق، كما أن النزوح من منطقة إلى أخرى بحثاً
عن الأمان وهرباً من بطش تنظيمات الإرهاب أدى لانزياح داخلي، وظهر نوع من
تجمع عاملين بشكل قطاعي، فعلى سبيل المثال في القطاع الصناعي لدينا 8
مؤسسات صناعية وكل مؤسسة فيها شركات متعددة وجزء كبير من هذه الشركات دمرت
جزئياً أو كلياً، وبالتالي تم نقل العمال من شركة إلى أخرى تتبع للوزارة
ذاتها، ففي حلب كان هناك 7 شركات للغزل والنسيج اختُزلت بشركتين، وتجمع
فيهما كل العاملين الذين لم يتسربوا.
أيضاً تدني الرواتب والأجور دفع
بالكثيرين وخصوصاً أصحاب الخبرات لتقديم استقالاتهم، وهناك قطاعات لو أن
الاستقالات مفتوحة فيها لم يبق أي عامل.
أليست الاستقالة من حق العامل، فكيف يُحرم منها؟
للعامل حق طبيعي بأن يقدم استقالته، ولنكن موضوعيين ومنطقيين لا يمكننا أن
نسقط المسألة الوطنية من اعتبارنا، فمن حق رب العمل أو الإدارة تقدير
الحالة، فإذا كانت استقالة العامل تؤثر على سير العمل في المنشأة أو لا
تؤثر، تماماً كحالة تقديم الإجازة.
هل يتم لحظ هذه الأمور في دراسة تعديل القانون الأساسي للعاملين في الدولة، وأين وصلت الدراسة؟
حالياً لا يوجد شيء اسمه تعديل القانون الأساسي للعاملين في الدولة، لأنه
تم العمل على تعديله كثيراً منذ أكثر من سبع سنوات، والآن هناك توجه لقانون
الخدمة العامة الذي تعمل عليه وزارة التنمية الإدارية، وبتقديرنا يحتاج
لوقت طويل، ونحن طالبنا ونطالب باستمرار، ومنذ نحو أسبوعين رفعنا مذكرة
لرئاسة مجلس الوزراء أن تُدخل تعديلات مطلوبة وجوهرية تؤمن قضايا حقوقية
للعمال إضافة لجانب بسيط بالموضوع المادي، ولم يتم العمل بها، على وعد بأن
قانون الخدمة العامة سيصدر في وقت قريب.
أين دور الاتحاد هنا؟
نحن موجودون ونشارك في دراسة القانون ولكن لا نصدره، هناك تشريعات كثيرة
يتم تعديلها قبل صدورها من خلال مداخلات ممثلي العمال وحضورهم الفاعل،
وهناك عمل مهم يقوم به الاتحاد، جزء منه مرئي وآخر غير مرئي، لكن أمام
الظروف المعيشية الضاغطة نحن نتحمل أي نقد يتوجه لنا من أي عامل، ونؤكد
أننا لا ندخر جهداً على جميع الاتجاهات.
التشاركية بشروط
أين أنتم من حقوق العمال في الشركات التي تطرح للتشاركية؟
نحن كاتحاد عمال لسنا ضد التشاركية إطلاقاً، شريطة أن تكون على أسس مدروسة
وواقعية وتحقق العدالة لصاحب الملك (الدولة)، والأهم عدم طرح المواقع
الرابحة للتشاركية، بل نبدأ بالقطاعات الخاسرة أو المدمرة، فهناك الكثير من
الشركات والمؤسسات تضررت خلال الأزمة بشكل كبير ومنها ما دُمر بالكامل،
ولا يمكن أن نتركها هكذا إلى ما لا نهاية.
يجب أن تكون نسبة المشاركة
عادلة ومتناسبة مع الملكية، وأن تتحدد واجبات الشريك بشكل واضح، أن يأتي
بتمويل من الخارج، فليس صحيحاً مثلاً أن يأتي شريك لموقع عمل ويأخذ بضمانة
هذا الموقع قروضاً من المصارف العامة، إذ يجب أن يكون ذا ملاءة ويثبت جديته
ولديه مصدر تمويل متطلبات عقد الشراكة، وأن يحافظ على جميع عمال المنشأة
وبشروط وبظروف أفضل.
ظروف استثنائية
تتطلب معالجات استثنائية
ماذا يترقب العمال من الحكومة القادمة؟
نتمنى دائماً أن يكون الأداء في الحكومة على أكمل وجه لأن انعكاسها على
المواطنين والعمال هم أوسع شريحة من المواطنين، ونحن في ظروف استثنائية
تتطلب جهوداً وقرارات ومعالجات استثنائية وتتطلب التعامل مع الكثير من
القضايا بجدية كبيرة، أداء العمل مرهون بأوقاته وبتحديات ماثلة أمام أصحاب
القرار، وأتمنى باسم العمال أن نوفق بفريق حكومي جدي متمكن ميداني وتتوافر
فيه رجال الدولة لمقاربة الملفات التي بقيت بعيده عن الاهتمام أو قوربت
بشكل خاطئ، ونتطلع لحكومة قادرة على إعادة بناء القطاع العام الاقتصادي وفق
أسس سليمة لأنه الرافعة الأساسية للاقتصاد السوري، وهو المساهم الأكبر
بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الاقتصادية
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=127&id=199672