تعظيم الإنتاج لا يكون بالشعارات ..
لودالين سار .. ميزة تنافسية تخرج من بين الأنقاض .. ولكن بمنتهى الإهمال واللامبالاة



شركة سار… عمل على مدار الساعة لتلبية حاجة السوق من المعقمات والمنظفات  للتصدي لكورونا – S A N A
 

لودالين علامة عابرة للعلامات والماركات .. لم نعرف التعاطي معها .. وربما لا نريد

تعظيم الإنتاج لا يكون بالشعارات .. ولا بد من ترسيخ ما نتميز به أولاً والتقاطه من خارج الصندوق وبعيداً عن المعتاد

سيريا ستيبس – علي محمود جديد:
لودالين .. هي ماركة لسائل جلي تنتجه إحدى شركات الصناعة الحكومية، وقد صارت كلمة.. أو مصطلح ( لودالين ) علامة فارقة أمام جودة تلك المادة وسعرها المنخفض،  .. وصرنا نستخدم كلمة لودالين لأي سائل جلي آخر ، فالكثيرون – وأنا منهم – نقول للتاجر : نريد لودالين كذا .. ونقول ماركة أخرى نسبقها بكلمة لودالين، كأن نقول: نريد لودالين الكرمل .. أو لودالين نورا .. حتى أن هناك أحياناً سوائل جلي كثيرة مجهولة المصدر سواء كانت من المهربات أم من بعض الورش تباع على البسطات، يكتب البائع عليها عبارة ( لودالين فلش ) وذلك رغم أن اللودالين الحقيقي الذي تنتجه الشركة العامة لصناعة المنظفات الكيميائية – سار، قد غاب عن السوق طويلاً بسبب الأحداث إذ كالعادة قدّم الإرهابيون ( منجزاتهم العظيمة ) بتدمير شركة سار، فغابت منتجاتها ومنها هذه المادة ولكنها بقيت عالقة في الأذهان من شدة جودتها .
هي اليوم عادت إلى الأسواق ولكن يبدو بكميات خجولة فالأسواق مليئة بأصناف اللودالينات الأخرى وبأسماء مختلفة ومن النادر أن نعثر على عبوة لودالين حقيقية .
نحن مثل هذه المنتجات – وغيرها الكثير من منتجات القطاع العام أيضاً – نعاملها كغيرها ببرودة أعصاب ودون أن نقيم أي وزن لمثل هذه الميزة التنافسية الذهبية التي كان لها أن تفعل الكثير مردوداً وربحاً وتلبية لرغبات المستهلكين، وكان علينا أن نضعها من ضمن الأولويات الإنتاجية لاستثمار هذه السمعة التي وصلت يوماً إلى درجة أنّ بعض غشّاشي الشامبو صاروا يشترون اللودالين بكميات كبيرة ويخلطونه مع بعض السوائل العطرية ويطرحونه في الأسواق على أنه شامبو، وقد شهدتُ مناقشة مع أحد هؤلاء منذ سنوات بعيدة حيث لامهُ أحدٌ آخر على مثل هذا التصرف المرفوض باعتباره غش صريح وهذا لا يجوز، فراح الغشاش يحلف الأيمان بأن الشامبو الذي يطرحه في الأسواق أثبت بالدليل القاطع – ومن خلال التحاليل الكيميائية – بأنه من أفضل أنواع الشامبو الموجود في الأسواق والفضل في ذلك يعود إلى استخدام اللودالين في الخلطة المغشوشة، مؤكداً أن مكونات اللودالين لوحدها أفضل من ثلاثة أرباع أنواع الشامبو الموجودة في الأسواق..!
طبعاً نحن هنا لا نبارك بحالة الغش تلك ولا نروج لها، ولكن هذا الكلام يشير بشكلٍ مدهش إلى الجودة العالية التي يتمتع بها سائل جلي اللودالين، والذي استطاع من خلال تلك الجودة، وبسعر منخفض ومعقول جداً أن يكتسب تلك الثقة العالية، ويحظى بهذه السمعة الرفيعة.
من هنا كان على الجهات المختصة أن تأخذ هذا الأمر بعين الجديّة والاعتبار، والدفع بهذا المنتج ودعمه إلى أقصى الحدود الممكنة، بعد أن تضعه في إطار أولوية خاصة تستند إلى دراسات اقتصادية تحدد جدوى الدفع ببعض المنتجات التي من المفترض انتخابها ووضعها ضمن أولويات نحافظ من خلالها على تلك الميزة التنافسية التي تُشترى بالذهب، وتعطي مردوداً مكثفاً وسريعاً يساهم ليس بزيادة الإنتاج فقط، وإنما بضمان تسويقه داخلياً أو تصديره فيشكل هذا النطاق الأولوي مركز إنتاج ساخن يساهم بسرعة في إنعاش الاقتصاد الوطني، حيث تصير تلك المنتجات كأعمدة قوية وراسخة في حين ما نزال نبحث عن عكاكيز لاقتصادنا من هنا وهناك .. وكأن العمل عندنا يسير عشوائياً أكثر مما ينبغي.
أين شركة سار اليوم ..؟
شركة سار المنتجة لسائل الجلي لودالين، والتي كانت إلى الجنوب من منطقة ( عدرا البلد ) هي مدمّرة – كما أسلفنا – بفعل الإرهاب وطرائقه الإجرامية، وذلك منذ عام 2014 غير أن هذا التدمير لم يحبط عمالها رغم مصاعب المشهد وما آلت إليه، وقد أبدوا إصرارهم على الاستمرار بالعمل بطريقة ما .. مثلها مثل شركة تاميكو لصناعة الأدوية التي دمّرها الإرهاب ولكن كوادرها خرجوا من بين الرماد واستمروا بالإنتاج عبر خطوط إنتاجية موزعة في أماكن أخرى، وكذلك شركة سار الحكومية حيث رفضت التوقف عن العمل، وذهبت باتجاه الحصول على قرضٍ صغير لشراء بعض المعدات البسيطة للتصنيع وبدأت بإنتاج بعض المواد في مقر مؤسسة الخزن والتسويق بمنطقة البرامكة ثم انتقلت إلى معمل زجاج دمشق في منطقة حوش بلاس ونقلت معداتها البسيطة وطورتها لاحقا الى أكثر من خط انتاج حفاظاً على تواجدها وعلى سمعة وجودة منتجاتها الموثوقة.
وشركة سار التي كانت تنتج قبل أعوام من مقرها المؤقت عددا قليلا من المواد تجاوز الآن إنتاجها العشرين صنفا من المنظفات السائلة والمعطرات والمعقمات ومساحيق الغسيل الرغوية وغير الرغوية والخاصة بالمشافي اضافة الى العديد من المنتجات الكيميائية التي تطلبها شركات القطاع العام والخاص حتى وصلت أرباحها العام الماضي إلى 200 مليون ليرة سورية.
ويشير التقرير الانتاجي والتسويقي للشركة بأنها انتجت من السلع الجافة والسائلة والصابون خلال النصف الأول من العام الحالي ما قيمته 570 مليون ليرة وبنسبة تطور عن النصف الأول من العام الماضي 145 بالمئة كما تجاوزت قيمة مبيعاتها 567 مليون ليرة وبنسبة تطور عن الفترة المماثلة من العام الماضي 148 بالمئة وذلك رغم صعوبة توافر المواد الأولية وقلة عدد العمال وعدم توافر السيولة المالية في الاوقات المناسبة، ومع هذا فإن هذه الشركة التي يمكننا القول عنها بأنها ( عظيمة ) بكل ما للكلمة من معنى، تعمل بكل طاقاتها لتجاوز الصعوبات وتنفيذ عقود الاستجرار مع الجهات العامة ولتلبية طلبات الشراء المباشرة للقطاعين العام والخاص.
الشركة تعمل حالياً على إعادة تأهيل مقرها الرئيسي ولكنها تصطدم بصعوبات توفّر السيولة الكافية لذلك، فلا سيولة لدعمها سوى من إنتاجها وأرباحها، ففي النفقات التي حددتها الموازنة العامة للدولة لعام 2021م كان نصيب هذه الشركة من السيولة ( صفر ) نعم لم تحدد لها الموازنة أي رصيد يمكنها من النهوض لنغفل بذلك وبكل كفاءة باردة ما فعلته كوادر الشركة للحفاظ عليها، ولنعلن عدم الاكتراث بكل ضحالة ولا مسؤولية بتلك الميزة التنافسية الكبرى التي جعلت من اللودالين عابراً للماركات ومخيّماً عليها بلا منافس.
كان حريٌّ بنا الانتباه إلى مثل هذه الميزة التنافسية العالية، التي استمرت وبقوة رغم كل ما حصل، ولكنها استمرت من إرثها ورصيدها الكبير وليس من أي عناية حكومية، وكان حري بنا العمل على توجيه الدعم الكبير المالي والنفسي لهذه الشركة وكوادرها الرائعين لترسيخ تلك الميزة أكثر فأكثر، وهي بالنهاية تعني أرباحاً للدولة، ولكن مع الأسف لا دعم ولا من يحزنون، وها هي جداول اعتمادات الموازنة تكتفي وبكل بساطة بوضع عبارة ( تمويل ذاتي ) ليس بموازاة هذه الشركة وحدها، بل بموازاة المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية التي تتبع إليها شركة سار .. وكذلك شركة تاميكو والعديد من شركات الصناعة الأخرى.
حالة مأساوية بكل المقاييس فعلاً .. فلا دراسات جادة .. ولا وضع أولويات حقيقية مجدية، ونشعر أحياناً وكأن حالات التفكير عندنا ليست من داخل الصندوق فقط بل من أعماق أعماقه ومن تحت الأنقاض الضاغطة فيه وعليه، بينما يحتاج واقعنا الصعب إلى الخروج من الصندوق دائماً والتقاط الأفكار من خارجه .. والميزات التنافسية تحتاج إلى التقاط وإلى جدية في المتابعة وهي كفيلة بتحسين أوضاع الإنتاج إلى أبعد الحدود، فلا يمكن للإنتاج أن يتعاظم برفع الشعارات وحدها، والقذف بميزاتنا التنافسية إلى حقول ( التمويل الذاتي ) في الوقت الذي تخرج فيه مثل هذه الميزة من غبار الحرب وأنقاضه.





المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=131&id=189806

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc