شهادات من ورق ورجال من كرتون؟!!
26/05/2022





  
كتب ناظم عيد :
يبدو للوهلة الأولى الطرح فانتازي بعض الشيء، أن نثير جدلا بشأن خيارات استثمار الموارد البشرية وتوزيع الكوادر وفقا لاختصاصاتها العلمية، بمعنى آخر إشغال المفاصل التنفيذية بحملة شهادات عالية متوائمة مع المهام المسندة لأصحابها ، من منطلق افتراض أن الشهادة الجامعية هي البوابة التقليدية لامتلاك المعرفة، وهذه في الواقع فرضية لايملك عاقل أن يرفضها من حيث الشكل، لاسيما مع غياب أية روائز قياس أخرى يمكن الركون إليها في توزيع المهام.. خصوصا التي نسميها في أعرافنا “مناصب”.
إلا أن ثمة بعد آخر أهم وأكثر دقة في هذا الشأن، هو مثار جدل قد يكون بيزنطيا إن تناولناه من الزوايا الخطأ – وغالبا هذا ما سيحصل ابتداء من طريقة قراءة بعضهم لهذا المقال – بعد يتطلب بعض المرونة في التعاطي مع الفكرة..وسنبدأ ببعض التساؤلات.
أولا..هل يكفل التحصيل الجامعي ومابعد الجامعي لصاحبه امتلاك المعرفة فعلا..وإن امتلك المعرفة هل يعني أنه امتلك المهارات ؟؟
ثانيا..هل نحن على يقين تام من كفاءة مناهج التعليم العالي لدينا للتأهيل الحقيقي للخريجين ؟؟
ثالثا…ماهي نسبة الخريجين الشغوفين فعلا باختصاصاتهم، أي اختاروها بإرادتهم وقرارهم ولم تخترها لهم مكنة التفاضل على العلامات، أو لم يدفعوا إليها قسرا من قبل أسرهم وعائلاتهم على سبيل المفاخرة والاستعراض الاجتماعي الأجوف..وهي المشكلة المقيمة بيننا، ولايبدو أننا ننوي التخلص منها؟
رابعا..وهو السؤال الأهم..أيهما أفضل الشهادة أم الخبرة..حامل الإجازة الجامعية أم الممارس الخبير، والأهم الأهم كيف يمكن أن نجمع بين الأولى والثانية؟
بالفعل هو جدل محير لكن لابد منه، لأن الوقائع خطيرة… خطيرة في المسافة الفاصلة بين الشهادة العلمية والمهارات الحقيقية لحاملها، لاسيما وأن إثبات الشهادة ممكن بتوقيع وخاتم جهة أكاديمية، فيما إثبات الخبرة يحتاج إلى خبراء للسبر، وبيئة تقويم وقناعات واقعية، ووو سلسلة مفقودات لم نكترث لغيابها أبدا بالنسبة لنا في الحالة السورية..
في أمريكا وبعض الدول الغربية شرعوا بتعويم أصحاب الخبرات على حملة الشهادات، وبالتزامن أخذوا بإعادة بناء الاختصاصات الجامعية و هيكلتها في “خلطة” جديدة غيبت الكثير من الاختصاصات في سياق اختصاصات أخرى للحصول على خريجين احترافيين بشهادات تكون أوسمة وليست أعباء على حملتها و على المؤسسات التي تبتلى بهم.
المشكلة معقدة ..بالفعل معقدة، وسنسرد بعض الوقائع التي تشارك من يقرأ معنا هواجسنا وهواجس كل متابع لتفاصيل الخلل البنيوي الكبير الذي يعصف بنا.
– استهلت حاملة إجازة عليا في الإعلام جملتها بكلمة “نحنو” بدلا من نحن، في اختبار بسيط تم إخضاعها له لدى تقدمها بطلب توظيف إلى إحدى المؤسسات الإعلامية الرسمية.. والسيرة الذاتية التي تتأبطها لمواجهة كل من يسأل عنها تنطوي على ٢٠ بندا تحكي القصة المهنية للفتاة.
– تصدت نقابة المهندسين لمهمة صعبة تتمثل بإعادة تأهيل المهندسين الخريجين من اختصاصات ليس لها عمل في سوق العمل المحلية، وكانت المحاولة تقريبهم إلى أقرب اختصاص، ولاندري إن كانت قد نجحت فعلا…لكن في العرف وفي القانون رقم ٥٠ “قانون العاملين” هؤلاء مهندسون مسلحون بشهادات تؤهلهم لتولي أعلى المناصب فيما لو توفرت الظروف “المعلنة والخفية” لهم..وغالبا تتوفر.
– منذ عدة سنوات صدرت مجموعة قرارات وتكليفات في مؤسسات إعلامية محلية، يحمل من أوكلت إليهم المهام الجديدة إجازات في الآداب ” لغات ..علم اجتماع” وعلوم سياسية وحقوق وإعلام ..وكانت المفاجأة أن الجهاز المركزي للرقابة المالية تحفظ على تأشير قرار واحد دون سواه ..هو قرار حامل الإجازة في الصحافة، لأن هذا الاختصاص غير وارد في ” الشيفرة” التي يعمل بموجبها الجهاز ..!!
هي وقائع متناقضة تكفي لتوضيح حجم التخبط في اختيار الكوادر لقيادة المفاصل في مؤسساتنا التنفيذية..فما الحل؟
سؤال كبير بحجم هذا البلد، وبحجم كل طروحات التطوير والإصلاح، والأقاويل والرؤى التي تمازجت أوتنافرت بشأن مجريات شبه جراحية في مفاصل مؤسسات القطاع العام ..
لابد إذا من ورشات عصف ذهني حقيقي لإيجاد روائز جديدة وقوننتها تنفعنا فعلا في اختيار القادة الإداريين..في سياق مشروع الإصلاح الإداري الجاري حاليا، ولانظن أن ماتضمنه المشروع كاف رغم أنه مقبول نظريا..أو على الأقل من حيث المبدأ.
لابأس في أن يكون التوظيف بناء على الشهادة الأكاديمية، لكن “المنصب” فله اعتبارات أخرى، أبعد بكثير عن الحظوة و آفاق ” عين الرضى”  بما أن ” ليس كل من صف الصواني صار حلواني”..
باختصار نحتاج كثيرا لاختصاصيين حقيقيين وليس لمحبي التقاط الصور مع شهادات قد تؤدي “لاستشهاد” المؤسسات والمفاصل التي سيشغلونها.



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=131&id=191859

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc