مخاوف تحرير أسعار البنزين
02/04/2022





     
إلى أيّ مدى يمكن الاستغناء عن البنزين والمازوت؟ بحسب نتائج فترة الدعم مقارنة مع فترة ما بعد الدعم، فإن استهلاك لبنان من هاتين المادتين تعرّض لضربة هائلة دفعته إلى تقليص الكميات المستوردة أكثر من مليون طن للمازوت، من دون أن يكون هناك تأثير واسع على كميات البنزين المستهلكة. عملياً، نجح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في فرض ضريبة هائلة على المازوت وإجبار المستهلكين على تخفيف اعتمادهم على المازوت من أجل إنتاج الكهرباء، لكنه لم يتمكن بعد من توجيه الضربة التالية في دفعهم للانتقال من مكان سكنهم إلى مكان عملهم مشياً على الأقدام.


في 30 أيلول عام 2019 أصدر مصرف لبنان التعميم 530 المتعلق بفتح الاعتمادات المستندية، والذي بموجبه يسمح بتمويل استيراد الأدوية والمشتقات النفطية والقمح بسعر صرف للدولار يبلغ 1507.5 ليرات وسطياً. أُدخلت بعض التعديلات على التعميم لاحقاً ليشمل المعدات والتجهيزات والمستلزمات الطبية، ثم نحو 330 صنفاً من السلع الغذائية والبيطرية وسواها... وقد تعامل الجميع مع هذه العملية بأنها «آلية» الدعم التي قيل بأنه استنزف من احتياطات مصرف لبنان خلال 12 شهراً، نحو 7 مليارات دولار. وظلّت هذه العملية مستمرة لغاية آب 2021، إذ أوقف مصرف لبنان تمويل المازوت وصارت الكميات تباع في السوق بالدولار النقدي، كما أنه صار يُسعّر دولار البنزين على منصّة «صيرفة» فيما الشركات المستوردة تستوفي الأثمان من الموزعين ومن أصحاب المحطات بالليرة اللبنانية وهي تحصل على التمويل من مصرف لبنان بنسبة 85% مقابل 15% من السوق الموازية. والشركات لم تكن تمانع هذا الأمر لأنه جرى تضمين الفروقات في سعر الصرف كلّها في جدول تركيب الأسعار بالإضافة إلى «حبّات مسك» فوقها.
ما حصل في هذه الفترة، بحسب الأرقام الصادرة عن الجمارك اللبنانية هو الآتي:
- كان لبنان يستهلك نحو 2.1 مليون طن من البنزين في عام 2019، وانخفضت الكمية المستهلكة إلى 1.8 مليون طن في عام 2020، ثم إلى 1.7 مليون طن في عام 2021. نسبة التراجع في الاستيراد بلغت 20%. أما لجهة القيمة، فإن الكميات المستوردة كبّدت لبنان نحو 1.33 مليار دولار في عام 2019، و840 مليون دولار في عام 2020، و1.2 مليار دولار في عام 2021.


- استهلك لبنان نحو 5.12 ملايين طن من المازوت في عام 2019، وفي السنة التالية استهلك 4.11 ملايين طن، ثم في نهاية 2021 نحو 3.11 ملايين طن. هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن مؤسسة كهرباء لبنان كانت تستحوذ على أكثر من مليون طن سنوياً من المازوت لزوم تشغيل معامل الكهرباء، إلا أنه بسبب قلّة الاعتمادات المالية التي رُصدت للمؤسسة، وامتناع مصرف لبنان عن تمويل استيراد الكميات في فترة ما بين عامَي 2020 و2021، فإن تحديد الكميات المستهلكة في السوق لن يكون سهلاً ودقيقاً. رغم ذلك، هناك تقديرات تشير إلى أن استهلاك السوق وحده، باستثناء كهرباء لبنان، تقلّص بنحو مليون طن من المازوت سنوياً أي أكثر من 20%، بينما إذا احتُسبت كل الكمية المستوردة لمؤسّسة الكهرباء وللسوق أيضاً، فإن تراجع الاستهلاك يفوق 55%. ويشار أيضاً إلى أن فترة الدعم تخللتها الكثير من المشاكل والتقنين في الكميات وفي فتح الاعتمادات من قبل مصرف لبنان، فضلاً عن ارتفاع مستوى التخزين والتهريب والإقفالات الناتجة من مكافحة انتشار «كورونا»، لذا يجب أخذ هذه العوامل في الاعتبار عند أي مقارنة.
المهم أن تراجع استهلاك البنزين والمازوت بنسبة 20% يأتي بعد رفع الدعم، وبعد ارتفاع الأسعار المحلية لمبيع هاتين المادتين بأكثر من 12 ضعفاً لسعر المازوت، وأكثر من 9 أضعاف لسعر البنزين. هذه الضريبة الهائلة التي فرضتها قوى السلطة عبر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومجلسه المركزي، لم تُترجم إحجاماً كبيراً عن الاستهلاك بسبب انعدام وجود البدائل. ليست هناك بدائل من كهرباء مولدات الأحياء، وليست هناك بدائل من السيارة للانتقال من مكان السكن إلى مكان العمل. الأمر بهذه البساطة. فوق كل ذلك، أتى ارتفاع الأسعار العالمية ليعزّز فكرة أنه مهما ارتفعت أسعار هذه المواد أو مهما كانت الضريبة عليها، يصعب على المقيمين في لبنان الاستغناء عنها. وطريقة استيعاب هذه الزيادات تصبح أسهل يوماً بعد يوم، سواء على السلطة أو على الشركات المستوردة أيضاً. كلتاهما تعلمان، أن تقنين ضخّ الكميات في السوق يفتح الطريق لأي زيادة. هذه المؤشّرات مقلقة لأنها تدلّ على قصور الوعي الجماعي عن مواجهة سلوك السلطة في إدارة تبعات الانهيار وتوزيع الخسائر، بل توحي بأن المقيمين في لبنان على استعداد لاستيعاب أي تضخّم لأسعار النفط العالمية وعلى استعداد أيضاً لقبول واستيعاب نتائج تحرير أسعار البنزين بذريعة توقيع البرنامج التمويلي مع صندوق النقد الدولي.
سيرياستيبس - الاخبار



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=136&id=191253

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc