زحمة انفتاح على دمشق: أبو ظبي تقود التطبيع الاقتصاديّ
الإعلان الإماراتي في شأن رفع مستوى العلاقات الاقتصادية قد تتبعه خطوات سعودية مماثلة






   
لا ينفصل الحراك الإماراتي تجاه سوريا عن التحرّكات العربية الموازية

سيرياستيبس :
سارعت الإمارات، إثر لقاء جمع وزير اقتصادها عبدالله بن طوق المري بنظيره السوري محمد سامر خليل، إلى الإعلان عن «خطط لتعزيز التعاون الاقتصادي واستكشاف قطاعات جديدة في سوريا». إعلانٌ يبدو بمثابة خطوة إضافية على طريق ترسيخ معادلة سياسية واقتصادية جديدة في المنطقة، عنوانها إعادة وصْل ما انقطع مع دمشق، وطيّ سنوات الحرب، والتهيئة لمرحلة إعادة الإعمار والاستثمار

 لا ينفصل الحراك الإماراتي تجاه سوريا عن التحرّكات العربية الموازية، سواءً الأردنية والمصرية التي تكلّلت باتفاقية إمداد لبنان بالطاقة عبر سوريا، أو حتى التحرّكات السعودية التي بدأت تأخذ منحًى تصاعدياً تجاه دمشق، لأسباب عديدة، أبرزها حتمية عودة العلاقات بعد انحسار الحرب، والدور السوري الهامّ في المنطقة، بالإضافة إلى الاستثمارات المغرية التي توفّرها عملية إعادة الإعمار في هذا البلد. وهي استثمارات تلمّستها الإمارات بشكل مبكر، ومهّدت الأرض للانخراط فيها قبل أكثر من خمسة أعوام، عندما تراجعت بشكل تدريجي عن دعم الفصائل المعارِضة، وأعادت إحياء العلاقات بين البلدين، والتي لم تنقطع تماماً طيلة سنوات الحرب، على الرغم من سحب أبو ظبي بعثتها الدبلوماسية من دمشق، وإغلاقها سفارتها هناك في عام 2012.

ومع اندلاع الأحداث في سوريا، لعبت الإمارات، مثل دول الخليج الأخرى (السعودية وقطر)، دوراً كبيراً في دعم المعارضة، سواءً بشكل مباشر، أو عبر البوّابة الأميركية من خلال برنامج «تيمبر سيكامور» المُدار من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، والذي ضمّ حينها غرفتَي عمليات، الأولى في الأردن عُرفت باسم «موك»، والثانية في تركيا باسم «موم»، قبل أن يتمّ إغلاق البرنامج بعد أن مُني بفشل كبير، بالتوازي مع التدخّل الروسي في الساحة السورية. وفي خلال أعوام الحرب، اختبرت الإمارات التعامل مع معارضة سورية متشرذمة ومخترَقة بشكل كبير من «الإخوان المسلمين»، يتبع معظمها لتركيا، وتضمّ في صفوفها فصائل «جهادية» عديدة، الأمر الذي وضع أبو ظبي مع مرور الوقت أمام مفترق طرق حتمي، إزاء التعامل مع هذه الفصائل. كذلك، شكّل التدخّل الروسي بوّابة أخرى للحضور الإماراتي على الساحة السورية، من أجل منع صعود «الإخوان»، وتحقيق التوازن السياسي والعسكري أمام التهديد التركي، الذي اخترق العالم العربي عبر البوّابتَين السورية والليبية. كلّ ما تَقدّم، معطوفاً على الصعود الإيراني في كلّ من سوريا واليمن، دفع الإمارات إلى إعادة تقييم المشهد، وبناء علاقات جديدة تعيد ترتيب الأوراق.

    الإعلان الإماراتي في شأن رفع مستوى العلاقات الاقتصادية قد تتبعه خطوات سعودية مماثلة


بشكل تدريجي، أعادت أبو ظبي فتح أبواب علاقتها مع دمشق، والتي حرصت على إبقائها موارِبة، ليُتوَّج مسعاها بإعادة فتح السفارة الإماراتية في سوريا عام 2018، ولتتبع ذلك سلسلة من خطوات الانفتاح التدريجي، بعد التأكّد من الانكفاء الأميركي في المنطقة، ومنح واشنطن الضوء الأخضر لتجاوز قانون العقوبات المفروض على سوريا (قيصر)، الأمر الذي ظهر بشكل جلي في حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين، والذي تجاوز خلال العام الماضي الـ700 مليون دولار، وبلغ خلال النصف الأول من العام الحالي 272 مليون دولار، فيما فاقت قيمة الاستثمار السوري المباشر في الإمارات 400 مليون دولار بنهاية 2019، بالإضافة إلى الوساطة التي لعبتها شركات إماراتية في تأمين مستلزمات تكنولوجية لسوريا، وغيرها. وفي شهر تشرين الثاني من العام الماضي، ومع اتّضاح الرؤية في المنطقة، وارتسام مشهد سياسي وميداني جديد في سوريا بعد سيطرة الجيش السوري على معظم أنحاء البلاد (باستثناء مناطق الشمال الشرقي التي تسيطر عليها «قسد» بدعم أميركي، والشمال والشمال الغربي اللذَين تسيطر عليهما فصائل مدعومة من تركيا بعضها «جهادية»)، وظهور بوادر حلحلة في ملفّ الجنوب السوري الذي يشكّل بوابة سوريا نحو الخليج العربي، عقدت السعودية والإمارات ومصر والأردن، اجتماعاً تشاورياً، على مستوى كبار المسؤولين في وزارات الخارجية لبحث تطوّرات الأزمة السورية. وعلى رغم اقتصار الحديث حينها على وجود توافق على ضرورة حلّ الأزمة السورية وفق قرار مجلس الأمن الرقم 2254، بما يحفظ وحدة سوريا وسلامة أراضيها، أظهرت الخطوات اللاحقة التي اتّخذتها هذه الدول تجاه دمشق بعض ملامح ما تمّ الاتفاق، لناحية بدء انفتاح اقتصادي، سيشرّع الباب على ما يماثله على المستويَين الأمني والسياسي.
وسط هذه التغيّرات، شرعت الإمارات، التي تجيد ترك خطوط تواصل مع مختلف الأطراف حتى في ظلّ ارتفاع حدّة الصراع، وتتقن الفصل بين الملفّات الاقتصادية والخلافات السياسية، في إعادة تشبيك صلاتها الإقليمية، مستبقة فعّاليات معرض «إكسبو» العالمي في دبي، والتي رغبت في أن تشكّل نقطة ارتكاز لملامح المنطقة الاقتصادية الجديدة التي ستلعب فيها دوراً محورياً، حيث تحسّنت علاقاتها مع تركيا وإيران، ومع جارتها قطر، وأعلنت بشكل صريح انفتاحها على سوريا، وعملت على توضيح هذا الموقف على جميع الأصعدة، فأرسلت مساعدات دوائية وإنسانية إلى دمشق، واستقبلت وفوداً اقتصادية سورية، وأعادت تفعيل «مجلس رجال الأعمال السوري الإماراتي». وعلى صعيد الاستثمارات، ثمّة فرص استثمارية للشركات الإمارتية، لعلّ أبرزها المشاريع العمرانية، حيث تمتلك الإمارات مجموعة من الشركات الناشطة في هذا المجال، بالإضافة إلى المشاريع التكنولوجية، وبعض الصناعات التحويلية، وتأهيل البنية التحتية المائية، وهي مشاريع أُعلن عن بعضها فعلاً في أوقات سابقة. أمّا على الصعيدَين السياسي والميداني في الساحة السورية، فتلعب الإمارات دوراً فاعلاً في بعض الملفّات، سواءً عبر موسكو التي وثّقت علاقتها بها على نحو كبير، أو بشكل مباشر في مناطق سيطرة «قسد»، تمهيداً لملء الفراغ الذي سيولّده الانسحاب الأميركي المحتمَل من المنطقة، والمصحوب مع تراجع تركي يبدو أن الجميع توافَق على ضرورته، سواء الولايات المتحدة الأميركية أو روسيا أو دول الخليج ومصر، بالإضافة إلى إعادة ترتيب الحضور الإيراني، بشكل يعيد التوازن إلى المنطقة.
الإعلان الإماراتي الأخير الواضح، في شأن رفع مستوى العلاقات الاقتصادية مع سوريا، قد تتبعه خطوات سعودية أيضاً، بالتزامن مع التحضيرات لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، والتي يُتوقّع أن تكون عبر بوابة الجزائر التي ترتبط بعلاقات قوية مع سوريا وتستضيف القمة المقبلة.
الاخبار - علاء الحلبي



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=137&id=189152

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc