الاقتصاد السوري بلا ضمير
15/12/2007



يعرب العيسى

ارتفع صوته حيناً، وكُمم فمه أحياناً، صرخ بآراء لا يستسيغها أحد، وتحدث في الوقت غير المناسب، حُورب، واتهم، وأُسكت، وصُمت الآذان عن سماعه حين قاوم الانصياع.

تصرف الرجل طيلة حياته ـ أو طيلة ما عرفناه من حياته ـ وتصرفنا معه كما يليق بضمير.

وقد مارس الرجل دور الضمير في الاقتصاد الوطني، وظلت كلمته مسموعة وموثوقة، لدى كل من ليس له مصلحة مباشرة، أو عليه ضرر مباشر، أصرَّ على الدور رغم ما للضمير أحياناً من صوت مزعج وقبيح.

صدقته الصحافة وأخذت رأيه في كل شأن عصف بها وبالبلد، وهو غالباً ما كان يبني رأيه بطريقة من يعيش أبداً، ويقوله بطريقة من يموت غداً.

وتماماً كما يليق بضمير، لم تكن تجربته كمدير (وزير ضمناً) يتابع وينفذ، تناسب تجربته كمفكر ومنظّر ومراقب نزيه، وهذه أيضاً من مواصفات الضمير، فليس للضمير أن يقود حياتنا، بل عليه ان يقرِّعَنا حين نستحق ذلك.

الوزارات والمؤسسات أذرع الدولة، والمفكرون والمثقفون ضميرها، وليس ذنب الضمير أن يعطى مهمة الذراع، ويستمر بالتصرف كضمير.

عُومل مرة على أنه مضلِّل ومخرب، وجرت محاولة لإيهام الرأي العام بأنه فاسد أيضاً (والأيضاً هنا عائدة على الفاسدين الكثر لا على باقي مواصفات الرجل)، وهي محاولة سقطت سريعاً، لكنها أثبتت أن حكاية أبناء يعقوب تتكرر في كل زمان ومكان، وأننا دوماً سنجد أحد عشر واحداً من أبناء يعقوب يلقون بيوسف الجميل في الجُب، ويعودون ليخبروا أباهم أن الذئب قد أكله.

ذات يومٍ من تسعينات القرن الماضي خسرت قائمة سليم الحص الانتخابات النيابية في معقله بيروت أمام الزعيم السياسي الوافد حديثاً آنذاك رفيق الحريري وقائمته، يومها كان سقوط سليم الحص غريباً ومدوياً، في اليوم التالي كتب جهاد الخازن في الحياة ما ملخصه: أرى مصلحة لبنان في سقوط سليم الحص، لا لأنني لا أحب الرجل أو لا أثق به، بل لأن لبنان يحتاج سليم الحص المعارض أكثر مما يحتاج سليم الحص رئيس الوزراء، ومصلحة لبنان أن يبقى سليم الحص صوتاً غاضباً ينبه الحكومة في كل حين أن هناك من يراقبها.

كان في الاقتصاد السوري رجلاً يشبه ذلك، كان رجلاً احتجناه بشدة ليقول ما لا نعرف قوله، وإذا عرفنا، لا نجرؤ على قوله، احتجناه رجلاً يخالف السائد والمتفق عليه، دون أن يستطيع أحد أن يزاود عليه أو يتهمه بعلمه أو خبرته أو معرفته أو وطنيته أو نزاهته.

لو قُدر لي أن أخط العبارة التي ستحفر على هذا القبر الجديد، لكتبت العبارة التي أوصى الكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكس أن تكتب على قبره: )لا أخشى شيئاً، لا أطمع بشيء، أنا حر(.

صباح يوم الجمعة فقدَ الاقتصاد السوري ضميره، صباح يوم الجمعة خسرنا عصام الزعيم.



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=160&id=207

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc